تنبيه
قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة : هذه الآية أصل في ; يسمع له ويطاع ; لتجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام الخليفة ، ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ، ولا بين الأئمة إلا ما روي عن نصب إمام وخليفة الأصم ؛ حيث كان عن الشريعة أصم . إلى أن قال : ودليلنا قول الله تعالى : ( إني جاعل في الأرض خليفة ) [ 2 \ 30 ] .
وقوله تعالى : ( ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض ) [ 38 \ 26 ] . وقال : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ) [ 24 \ 55 ] أي : يجعل منهم خلفاء إلى غير ذلك من الآي .
وأجمعت الصحابة على تقديم الصديق بعد اختلاف وقع بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة في التعيين حتى قالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ، فدفعهم أبو بكر وعمر والمهاجرون عن ذلك ، وقالوا لهم : إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش ، ورووا لهم الخبر في ذلك فرجعوا وأطاعوا لقريش . فلو كان فرض الإمامة غير واجب لا في قريش ولا في غيرهم ، لما ساغت هذه المناظرة والمحاورة عليها . ولقال قائل : إنها غير واجبة لا في قريش ولا في غيرهم . فما لتنازعكم وجه ولا فائدة في أمر ليس بواجب ، ثم إن الصديق - رضي الله عنه - لما حضرته الوفاة عهد إلى عمر في الإمامة ، ولم يقل له أحد : هذا أمر غير واجب علينا ولا [ ص: 22 ] عليك . فدل على وجوبها ، وأنها ركن من أركان الدين الذي به قوام المسلمين والحمد لله رب العالمين . انتهى من القرطبي .
قال مقيده عفا الله عنه : من الواضح المعلوم من ضرورة الدين أن المسلمين يجب عليهم نصب إمام تجتمع به الكلمة ، وتنفذ به أحكام الله في أرضه ، ولم يخالف في هذا إلا من لا يعتد به ، الذي تقدم في كلام كأبي بكر الأصم المعتزلي القرطبي ، وكضرار وهشام الفوطي ونحوهم .
وأكثر العلماء على أن وجوب الإمامة الكبرى بطريق الشرع كما دلت عليه الآية المتقدمة وأشباهها وإجماع الصحابة - رضي الله عنهم - ولأن الله تعالى قد يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ، كما قال تعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ) ، لأن قوله : ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ) فيه إشارة إلى إعمال السيف عند الإباء بعد إقامة الحجة .
وقالت الإمامية : إن . الإمامة واجبة بالعقل لا بالشرع
وعن الحسن البصري والجاحظ والبلخي : أنها تجب بالعقل والشرع معا ، واعلم أنما تتقوله الإمامية من المفتريات على أبي بكر وعمر وأمثالهم من الصحابة ، وما تتقوله في الاثني عشر إماما ، وفي الإمام المنتظر المعصوم ، ونحو ذلك من خرافاتهم ، وأكاذيبهم الباطلة كله باطل لا أصل له .
وإذا أردت الوقوف على تحقيق ذلك : فعليك بكتاب " منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية " للعلامة الشيخ تقي الدين أبي العباس بن تيمية ، فإنه جاء فيه بما لا مزيد عليه من الأدلة القاطعة ، والبراهين الساطعة على إبطال جميع تلك الخرافات المختلقة ، فإذا حققت وجوب نصب الإمام الأعظم على المسلمين ، فاعلم أن : الأول : ما لو نص صلى الله عليه وسلم على أن فلانا هو الإمام فإنها تنعقد له بذلك . الإمامة تنعقد له بأحد أمور
وقال بعض العلماء : إن إمامة أبي بكر - رضي الله عنه - من هذا القبيل ; لأن تقديم النبي - صلى الله عليه وسلم - في إمامة الصلاة وهي أهم شيء ، فيه الإشارة إلى التقديم للإمامة الكبرى وهو ظاهر . [ ص: 23 ] الثاني : هو اتفاق أهل الحل والعقد على بيعته .
وقال بعض العلماء : إن إمامة أبي بكر منه ; لإجماع أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار عليها بعد الخلاف ، ولا عبرة بعدم رضى بعضهم ، كما وقع من - رضي الله عنه - من عدم قبوله بيعة سعد بن عبادة أبي بكر رضي الله عنه .
الثالث : أن يعهد إليه الخليفة الذي قبله ، كما وقع من أبي بكر لعمر رضي الله عنهما .
ومن هذا القبيل جعل عمر - رضي الله عنه - الخلافة شورى بين ستة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات وهو عنهم راض .
الرابع : أن يتغلب على الناس بسيفه ، وينزع الخلافة بالقوة حتى يستتب له الأمر ، وتدين له الناس لما في الخروج عليه حينئذ من شق عصا المسلمين ، وإراقة دمائهم .
قال بعض العلماء : ومن هذا القبيل قيام على عبد الملك بن مروان عبد الله بن الزبير ، وقتله إياه في مكة على يد ، فاستتب الأمر له . كما قاله الحجاج بن يوسف في " المغني " . ابن قدامة
ومن العلماء من يقول : تنعقد له الإمامة ببيعة واحد ، وجعلوا منه مبايعة عمر لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة ، ومال إليه القرطبي . وحكى عليه إمام الحرمين الإجماع وقيل : ببيعة أربعة ، وقيل غير ذلك .
هذا ملخص كلام العلماء فيما تنعقد به الإمامة الكبرى . ومقتضى كلام الشيخ تقي الدين أبي العباس بن تيمية في " المنهاج " أنها إنما تنعقد بمبايعة من تقوى به شوكته ، ويقدر به على تنفيذ أحكام الإمامة ; لأن من لا قدرة له على ذلك كآحاد الناس ليس بإمام .