أحدهما : أن المراد بالخليفة أبونا آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ; لأنه خليفة الله في أرضه في تنفيذ أوامره . وقيل : لأنه صار خلفا من الجن الذين كانوا يسكنون الأرض قبله ، وعليه فالخليفة : فعيلة بمعنى فاعل ، وقيل : لأنه إذا مات يخلفه من بعده ، وعليه فهو من فعيلة بمعنى مفعول . وكون الخليفة هو آدم هو الظاهر المتبادر من سياق الآية .
الثاني : أن قوله : ( خليفة ) مفرد أريد به الجمع ؛ أي : خلائف ، وهو اختيار ابن كثير . والمفرد إن كان اسم جنس يكثر في كلام العرب إطلاقه مرادا به الجمع كقوله تعالى : ( إن المتقين في جنات ونهر ) [ 54 \ 54 ] يعني " وأنهار " بدليل قوله : ( فيها أنهار من ماء غير آسن ) الآية [ 47 \ 15 ] . وقوله : ( واجعلنا للمتقين إماما ) [ 25 \ 74 ] ، وقوله : ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ) [ 4 \ 4 ] ونظيره من كلام العرب قول عقيل بن علفة المري : [ الوافر ]
وكان بنو فزارة شر عم وكنت لهم كشر بني الأخينا
وقول العباس بن مرداس السلمي : [ الوافر ]
فقلنا أسلموا إنا أخوكم وقد سلمت من الإحن الصدور
وأنشد له قول سيبويه علقمة بن عبدة التميمي : [ الطويل ]
بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب
وقول الآخر : [ الوافر ]
كلوا في بعض بطنكم تعفوا فإن زمانكم زمن خميص
وإذا كانت هذه الآية الكريمة تحتمل الوجهين المذكورين . فاعلم أنه قد دلت آيات أخر على الوجه الثاني ، وهو أن المراد بالخليفة : الخلائف من آدم وبنيه لا آدم [ ص: 21 ] نفسه وحده . كقوله تعالى : ( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) الآية [ 2 \ 30 ] .
ومعلوم أن آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ليس ممن يفسد فيها ولا ممن يسفك الدماء ، وكقوله : ( هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ) الآية [ 35 \ 39 ] ، وقوله : ( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ) الآية [ 6 \ 165 ] ، وقوله : ( ويجعلكم خلفاء ) الآية [ 27 \ 62 ] . ونحو ذلك من الآيات .
ويمكن الجواب عن هذا بأن المراد بالخليفة آدم ، وأن الله أعلم الملائكة أنه يكون من ذريته من يفعل ذلك الفساد ، وسفك الدماء . فقالوا ما قالوا ، وأن المراد بخلافة آدم الخلافة الشرعية ، وبخلافة ذريته أعم من ذلك ، وهو أنهم يذهب منهم قرن ويخلفه قرن آخر .