وأبو الطفيل ولد عام أحد ومات سنة عشر ومائة على الصحيح ، وبه تعلم أنه لا شك في معاصرتهما واجتماعهما في قيد الحياة زمنا طويلا ، ولا غرو في حكم على رواية ابن حزم عن يزيد بن أبي حبيب أبي الطفيل بأنها باطلة ، فإنه قد ارتكب أشد من ذلك في حكمه على الحديث الثابت في " صحيح " : " البخاري " ، بأنه غير متصل ولا يحتج به بسبب أن ليكونن في أمتي أقوام [ ص: 296 ] يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف قال في أول الإسناد قال : البخاري ومعلوم أن هشام بن عمار من شيوخ هشام بن عمار وأن البخاري بعيد جدا من التدليس وإلى رد هذا على البخاري أشار ابن حزم العراقي في " ألفيته " بقوله : [ الرجز ]
وإن يكن أول الاسناد حذف مع صيغة الجزم فتعليقا عرف ولو إلى آخره أما الذي
لشيخه عزا بقال فكذي عنعنة كخبر المعازف
لا تصغ المخالف لابن حزم
مع أن المشهور عن مالك وأحمد وأبي حنيفة رحمهم الله الاحتجاج بالمرسل ، والمرسل في اصطلاح أهل الأصول ما سقط منه راو مطلقا ، فهو بالاصطلاح الأصولي يشمل المنقطع والمعضل ، ومعلوم أن من يحتج بالمرسل يحتج بعنعنة المدلس من باب أولى كما صرح به غير واحد وهو واضح ، والجواب عن القدح في أبي الطفيل بأنه كان حامل راية المختار مردود من وجهين .
الأول : أن أبا الطفيل صحابي وهو آخر من مات من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما قاله مسلم وعقده ناظم " عمود النسب " بقوله : [ الرجز ]
له آخر من مات من الأصحاب أبو الطفيل عامر بن واثله
، وأبو الطفيل هذا هو عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي نسبة إلى ليث بن بكر بن كنانة وقد جاءت تزكيتهم في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - كما هو معلوم في محله والحكم لجميع الصحابة بالعدالة هو مذهب الجمهور وهو الحق وقال في " مراقي السعود " : [ الرجز ] والصحابة كلهم رضي الله عنهم عدول
وغيره رواية والصحب تعديلهم كل إليه يصبو
واختار في الملازمين دون من رآه مرة إمام مؤتمن
الوجه الثاني : هو ما ذكره الشوكاني رحمه الله في " نيل الأوطار " وهو أن أبا الطفيل إنما خرج مع المختار على قاتلي الحسين رضي الله عنه وأنه لم يعلم من المختار إيمانه بالرجعة ، والجواب عن قول الحاكم إنه موضوع بأنه غير صحيح بل هو ثابت وليس بموضوع .
قال ابن القيم : وحكمه بالوضع على هذا الحديث غير مسلم ، يعني : الحاكم ، [ ص: 297 ] وقال ابن القيم أيضا في " زاد المعاد " : قال الحاكم هذا الحديث موضوع وإسناده على شرط الصحيح لكن رمي بعلة عجيبة ، قال الحاكم : حدثنا أبو بكر بن محمد بن أحمد بن بالويه ، حدثنا ، حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أبي الطفيل عن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " معاذ بن جبل تبوك إلى أن قال : وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار " الحديث . كان في غزوة
قال الحاكم : هذا الحديث رواته أئمة ثقات ، وهو شاذ الإسناد والمتن ثم لا نعرف له علة نعله بها فلو كان الحديث عن الليث عن أبي الزبير عن أبي الطفيل لعللنا به الحديث ، ولو كان عن عن يزيد بن أبي حبيب أبي الطفيل لعللنا به ، فلما لم نجد له العلتين خرج عن أن يكون معلولا ، ثم نظرنا فلم نجد عن ليزيد بن أبي حبيب أبي الطفيل رواية ، ولا وجدنا هذا المتن بهذه السياقة عن أحد من أصحاب أبي الطفيل ولا عن أحد ممن روى عن غير معاذ بن جبل أبي الطفيل ، فقلنا : الحديث شاذ ، وقد حدثوا عن أبي العباس الثقفي قال : كان يقول : لنا على هذا الحديث علامة قتيبة بن سعيد أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، ويحيى بن معين ، وأبي بكر بن أبي شيبة وأبي خيثمة ، حتى عد قتيبة سبعة من أئمة الحديث كتبوا عنه هذا الحديث ، وأئمة الحديث إنما سمعوه من قتيبة تعجبا من إسناده ومتنه ، ثم لم يبلغنا عن أحد منهم أنه ذكر للحديث علة ثم قال : فنظرنا فإذا بالحديث موضوع ، وقتيبة ثقة مأمون . اهـ . محل الغرض منه بتصرف يسير لا يخل بشيء من المعنى . وانظره فإن قوله ولو كان عن عن يزيد بن أبي حبيب أبي الطفيل لعللنا به فيه أن سنده الذي ساق فيه عن يزيد عن أبي الطفيل .
وبهذا تعلم أن حكم الحاكم على هذا الحديث بأنه موضوع لا وجه له أما رجال إسناده فهم ثقات باعترافه هو ، وقد قدمنا لك أن قتيبة تابعه فيه عند المفضل بن فضالة أبي داود والنسائي والبيهقي ، والدارقطني لا يعد شذوذا ، وكم من حديث صحيح في " الصحيحين " وغيرهما انفرد به عدل ضابط عن غيره ، وقد عرفت أن وانفراد الثقة الضابط بما لم يروه غيره قتيبة لم يتفرد به ، وأما متنه فهو بعيد من الشذوذ أيضا .
وقد قدمنا أن مثله رواه مسلم في " صحيحه " عن جابر رضي الله عنه وصح أيضا مثله من حديث أنس .
قال ابن القيم : وقد روى حدثنا إسحاق بن راهويه شبابة ، حدثنا الليث عن عقيل [ ص: 298 ] عن عن ابن شهاب أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " " وهذا إسناد كما ترى . كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر ثم ارتحل الثقة المتفق على الاحتجاج بحديثه وقد روى له وشبابة هو شبابة بن سوار مسلم في " صحيحه " ، فهذا الإسناد على شرط الشيخين . اهـ . محل الغرض منه بلفظه .
وقال ابن حجر في " فتح الباري " بعد أن ساق حديث إسحاق هذا ما نصه : وأعل بتفرد إسحاق به عن شبابة ثم تفرد به عن جعفر الفريابي إسحاق وليس ذلك بقادح ، فإنهما إمامان حافظان . اهـ . منه بلفظه .
وروى الحاكم في " الأربعين " بسند صحيح عن أنس نحو حديث إسحاق المذكور ونحوه لأبي نعيم في " مستخرج مسلم " ، قال الحافظ في " بلوغ المرام " بعد أن ساق حديث أنس المتفق عليه ما نصه : وفي رواية للحاكم في " الأربعين " بإسناد صحيح " " ، صلى الظهر والعصر ثم ركب ولأبي نعيم في مستخرج مسلم : " " . كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل
وقال ابن حجر في " تلخيص الحبير " بعد أن ساق حديث الحاكم المذكور بسنده ومتنه ما نصه : وهي زيادة غريبة صحيحة الإسناد وقد صححه المنذري من هذا الوجه والعلائي ، وتعجب من كون الحاكم لم يورده في " المستدرك " ، قال : وله طريق أخرى رواها في " الأوسط " ، ثم ساق الحديث بها وقال : تفرد به الطبراني يعقوب بن محمد ولا يقدح في رواية الحاكم هذه ما ذكره ابن حجر في " الفتح " من أن البيهقي ساق سند الحاكم المذكور ثم ذكر المتن ولم يذكر فيه زيادة لما قدمنا من أن من حفظ حجة على من لم يحفظ وزيادة العدول مقبولة كما تقدم . جمع التقديم
وقال النووي في " شرح المهذب " بعد أن ساق حديث معاذ الذي نحن بصدده ما نصه : رواه أبو داود ، وقال : حديث حسن . والترمذي
وقال البيهقي : هو محفوظ صحيح ، وعن أنس قال : " " ، رواه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل الإسماعيلي والبيهقي بإسناد صحيح .
قال إمام الحرمين في " الأساليب " : في ثبوت الجمع أخبار صحيحة هي نصوص لا يتطرق إليها تأويل ودليله في المعنى الاستنباط من صورة الإجماع وهي الجمع بعرفات ومزدلفة ، إذ لا يخفى أن سببه احتياج الحجاج إليه لاشتغالهم [ ص: 299 ] بمناسكهم ، وهذا المعنى موجود في كل الأسفار . انتهى محل الغرض منه بلفظه .
والجواب عن قول أبي داود ليس في جمع التقديم حديث قائم هو ما رأيت من أنه ثبت في " صحيح مسلم " من حديث جابر وصح من حديث أنس من طريق وأخرجه إسحاق بن راهويه الحاكم بسند صحيح في " الأربعين " وأخرجه أبو نعيم في " مستخرج مسلم " والإسماعيلي والبيهقي وقال : إسناده صحيح بلفظ : " " إلى آخر ما تقدم . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في سفر وزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا