[ ص: 233 ] الأول : المحصنات العفائف ، ومنه قوله تعالى : محصنات غير مسافحات [ 4 \ 25 ] أي : عفائف غير زانيات .
الثاني : المحصنات الحرائر ، ومنه قوله تعالى : فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ، أي : على الإماء نصف ما على الحرائر من الجلد .
الثالث : أن يراد بالإحصان التزوج ، ومنه على التحقيق قوله تعالى : فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة الآية ، أي : فإذا تزوجن . وقول من قال من العلماء : إن في قوله : المراد بالإحصان فإذا أحصن الإسلام خلاف الظاهر من سياق الآية ; لأن سياق الآية في الفتيات المؤمنات حيث قال : ومن لم يستطع منكم طولا الآية .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية ما نصه : والأظهر والله أعلم أن المراد بالإحصان هاهنا التزويج ; لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول سبحانه وتعالى : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، والله أعلم . والآية الكريمة سياقها في الفتيات المؤمنات ، فتعين أن المراد بقوله : فإذا أحصن أي : تزوجن كما فسره وغيره . اهـ محل الغرض منه بلفظه . ابن عباس
فإذا علمت ذلك فاعلم أن في قوله تعالى : والمحصنات من النساء الآية ، أوجه من التفسير هي أقوال للعلماء ، والقرآن يفهم منه ترجيح واحد معين منها .
قال بعض العلماء : المراد بالمحصنات هنا أعم من العفائف والحرائر والمتزوجات أي : حرمت عليكم جميع النساء إلا ما ملكت أيمانكم بعقد صحيح أو ملك شرعي بالرق ، فمعنى الآية على هذا القول تحريم النساء كلهن إلا بنكاح صحيح أو تسر شرعي ، وإلى هذا القول ذهب ، سعيد بن جبير وعطاء ، والسدي ، وحكي عن بعض الصحابة واختاره مالك في " الموطأ " .
وقال بعض العلماء : المراد بالمحصنات في الآية الحرائر ، وعليه فالمعنى وحرمت عليكم الحرائر غير الأربع ، وأحل لكم ما ملكت أيمانكم من الإماء ، وعليه فالاستثناء منقطع .
وقال بعض العلماء : المراد بالمحصنات : المتزوجات ، وعليه فمعنى الآية [ ص: 234 ] وحرمت عليكم المتزوجات ; لأن ذات الزوج لا تحل لغيره إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي من الكفار ، فإن السبي يرفع حكم الزوجية الأولى في الكفر وهذا القول هو الصحيح ، وهو الذي يدل القرآن لصحته ; لأن القول الأول فيه حمل ملك اليمين على ما يشمل ملك النكاح ، وملك اليمين لم يرد في القرآن إلا بمعنى الملك بالرق ، كقوله : فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، وقوله : وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك [ 33 \ 50 ] ، وقوله : والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم [ 4 \ 36 ] ، وقوله : والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم [ 23 \ 5 ، 6 ] ، في الموضعين ، فجعل ملك اليمين قسما آخر غير الزوجية . وقوله : والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم [ 24 \ 33 ] ، فهذه الآيات تدل على أن المراد بما ملكت أيمانكم الإماء دون المنكوحات كما هو ظاهر ، وكذلك الوجه الثاني غير ظاهر ; لأن المعنى عليه : وحرمت عليكم الحرائر إلا ما ملكت أيمانكم ، وهذا خلاف الظاهر من معنى لفظ الآية كما ترى .
وصرح ابن القيم بأن هذا القول مردود لفظا ومعنى ، فظهر أن سياق الآية يدل على المعنى الذي اخترنا ، كما دلت عليه الآيات الأخر التي ذكرنا ، ويؤيده سبب النزول ; لأن سبب نزولها كما أخرجه مسلم في " صحيحه " والإمام أحمد ، وأبو داود ، ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه وعبد الرزاق عن - رضي الله عنه - قال : أبي سعيد الخدري أوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج ، فسألنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [ 4 \ 24 ] ، فاستحللنا فروجهن . أصبنا سبيا من سبي
وروى عن الطبراني أنها نزلت في سبايا ابن عباس خيبر ، ونظير هذا التفسير الصحيح قول : الفرزدق
[ الطويل ]
وذات حليل أنكحتها رماحنا حلال لمن يبني بها لم تطلق