وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء
الآية لا يخفى ما يسبق إلى الذهن في هذه الآية الكريمة من عدم ظهور وجه الربط بين هذا الشرط ، وهذا الجزاء ، وعليه ، ففي الآية نوع إجمال ، والمعنى كما قالت قوله تعالى : أم المؤمنين [ ص: 221 ] عائشة رضي الله عنها : أنه كان من غير أن يقسط في صداقها ، وإن كانت دميمة رغب عن نكاحها وعضلها أن تنكح غيره ; لئلا يشاركه في مالها ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن ، أي : كما أنه يرغب عن نكاحها إن كانت قليلة المال ، والجمال ، فلا يحل له أن يتزوجها إن كانت ذات مال وجمال إلا بالإقساط إليها ، والقيام بحقوقها كاملة غير منقوصة ، وهذا المعنى الذي ذهبت إليه الرجل تكون عنده اليتيمة في حجره ، فإن كانت جميلة ، تزوجها - رضي الله عنها - يبينه ويشهد له قوله تعالى : أم المؤمنين عائشة ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن [ 4 \ 127 ] ، وقالت رضي الله عنها : إن المراد بما يتلى عليكم في الكتاب هو قوله تعالى : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى الآية ، فتبين أنها يتامى النساء بدليل تصريحه بذلك في قوله : يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن الآية ، فظهر من هذا أن المعنى وإن خفتم ألا تقسطوا في زواج اليتيمات فدعوهن ، وانكحوا ما طاب لكم من النساء سواهن ، وجواب الشرط دليل واضح على ذلك ; لأن الربط بين الشرط والجزاء يقتضيه ، وهذا هو أظهر الأقوال ; لدلالة القرآن عليه ، وعليه فاليتامى جمع يتيمة على القلب ، كما قيل أيامى والأصل أيائم ويتائم لما عرف أن جمع الفعلية فعائل ، وهذا القلب يطرد في معتل اللام كقضية ، ومطية ، ونحو ذلك ويقصر على السماع فيما سوى ذلك .
قال ابن خويز منداد : يؤخذ من هذه الآية ، وللسلطان النظر فيما وقع من ذلك ، وأخذ بعض العلماء من هذه الآية أن جواز اشتراء الوصي وبيعه من مال اليتيم لنفسه بغير محاباة وإليه ذهب الولي إذا أراد نكاح من هو وليها جاز أن يكون هو الناكح والمنكح مالك ، وأبو حنيفة ، ، والأوزاعي ، والثوري ، وقاله من التابعين : وأبو ثور الحسن ، وربيعة وهو قول الليث .
وقال زفر ، : لا يجوز له أن يتزوجها إلا بإذن السلطان ، أو يزوجها ولي آخر أقرب منه أو مساو له . والشافعي
وقال أحمد في إحدى الروايتين : يوكل رجلا غيره فيزوجها منه ، وروي هذا عن ، كما نقله المغيرة بن شعبة القرطبي ، وغيره .
وأخذ من تفسير مالك بن أنس عائشة لهذه الآية ، كما ذكرنا الرد إلى صداق المثل [ ص: 222 ] فيما فسد من الصداق ، أو وقع الغبن في مقداره ; لأن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق " ، فدل على أن للصداق سنة معروفة لكل صنف من الناس على قدر أحوالهم ، وقد قال مالك : للناس مناكح عرفت لهم ، وعرفوا لها يعني مهورا وأكفاء .
ويؤخذ أيضا من هذه الآية جواز إذا أعطيت حقوقها وافية ، وما قاله كثير من العلماء من أن اليتيمة لا تزوج حتى تبلغ ، محتجين بأن قوله تعالى : تزويج اليتيمة ويستفتونك في النساء ، اسم ينطلق على الكبار دون الصغار ، فهو ظاهر السقوط ; لأن الله صرح بأنهن يتامى ، بقوله : في يتامى النساء ، وهذا الاسم أيضا قد يطلق على الصغار ، كما في قوله تعالى : يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم [ 2 \ 49 ] ، وهن إذ ذاك رضيعات فالظاهر المتبادر من الآية جواز نكاح اليتيمة مع الإقساط في الصداق ، وغيره من الحقوق .
ودلت السنة على أنها لا تجبر ، فلا تزوج إلا برضاها ، وإن خالف في تزويجها خلق كثير من العلماء .