المسألة السابعة : اعلم أن أقوى الأقوال دليلا وأرجحها ، ليطلع على عوراتهم أنه لا حرج عليهم في ذلك من إثم ولا غرم دية العين ولا قصاص ، وهذا لا ينبغي العدول عنه لثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبوتا لا مطعن فيه ، ولذا لم نذكر هنا أقوال من خالف في ذلك من أهل العلم لسقوطها عندنا ، لمعارضتها النص الثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - قال فيمن نظر من كوة إلى داخل منزل قوم ففقئوا عينه التي نظر إليهم بها - رحمه الله - في " صحيحه " : باب من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه فلا دية له ، ثم ذكر من أحاديث هذه الترجمة : حدثنا البخاري علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، حدثنا أبو الزناد عن ، عن الأعرج قال : قال أبي هريرة أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - ، اهـ منه ، والجناح الحرج ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الصحيح " : لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح " ، لفظ جناح فيه نكرة في سياق النفي فهي تعم رفع كل حرج من إثم ودية وقصاص ، كما ترى . " : لم يكن عليك جناح "
وقال - رحمه الله - في " صحيحه " : حدثني مسلم بن الحجاج ، حدثنا زهير بن حرب جرير ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أبي هريرة ، اهـ منه . " : من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه "
[ ص: 503 ] وهذا الحديث الصحيح فيه التصريح منه - صلى الله عليه وسلم - أنهم يحل لهم أن يفقئوا عينه ، وكون ذلك حلالا لهم مستلزم أنهم ليس عليهم فيه شيء من إثم ، ولا دية ، ولا قصاص ; لأن كل ما أحله الله على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - لا مؤاخذة على فعله البتة بنوع من أنواع المؤاخذة ، كما لا يخفى .
وقال - رحمه الله - تعالى في " صحيحه " متصلا بكلامه هذا الذي نقلنا عنه : حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا ابن أبي عمر سفيان ، عن أبي الزناد ، عن ، عن الأعرج - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبي هريرة ، اهـ منه . " : لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ، ما كان عليك من جناح "
وقد بينا وجه دلالته على أنه لا شيء في عين المذكور ، وثبوت هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رأيت يدل على أنه لما تعدى وانتهك الحرمة ، ونظر إلى بيت غيره دون استئذان ، أن الله أذن على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - في أخذ عينه الخائنة ، وأنها هدر لا عقل فيها ، ولا قود ، ولا إثم ، ويزيد ما ذكرنا توكيدا وإيضاحا ما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - منه أنه هم أن يفعل ذلك .
قال - رحمه الله - في صحيحه تحت الترجمة المذكورة آنفا ، وهي قوله : باب من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه فلا دية له : حدثنا البخاري أبو اليمان ، حدثنا ، عن حماد بن زيد عبيد الله بن أبي بكر بن أنس ، عن أنس - رضي الله عنه - : . أن رجلا اطلع في بعض جحر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام إليه بمشقص أو مشاقص ، وجعل يختله ليطعنه
حدثنا ، حدثنا قتيبة بن سعيد ليث ، عن ، أن ابن شهاب أخبره سهل بن سعد الساعدي ، اهـ منه ، وقد ذكر أن رجلا اطلع في جحر في باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدرى يحك به رأسه ، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " : لو أعلم أنك تنتظرني لطعنت به في عينيك " ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : إنما جعل الإذن من قبل البصر " هذه الأحاديث التي ذكرناها عنه هنا في كتاب الديات . البخاري
وقد قال في كتاب الاستئذان : باب الاستئذان من أجل البصر : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، قال : حفظته كما أنك هاهنا عن الزهري ، قال : سهل بن سعد . اطلع رجل من جحر في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - مدرى يحك بها رأسه ، فقال " : لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك ، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر "
[ ص: 504 ] حدثنا مسدد ، حدثنا ، عن حماد بن زيد عبيد الله بن أبي بكر ، عن - رضي الله عنه - : أنس بن مالك ، وهذه النصوص الصحيحة تؤيد ما ذكرنا ، فلا التفات لمن خالفها من أهل العلم ، ومن أولها ; لأن النص لا يجوز العدول عنه ، إلا لدليل يجب الرجوع إليه . أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمشقص أو بمشاقص ، فكأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه
واعلم أن المشقص بكسر أوله وسكون ثانيه ، وفتح ثالثه هو نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض ، وقوله في الحديث المذكور : من جحر في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - الجحر الأول : بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وهو كل ثقب مستدير في أرض أو حائط ، والثاني : بضم الحاء المهملة وفتح الجيم جمع حجرة : وهي ناحية البيت .
وقال - رحمه الله - في صحيحه : حدثنا مسلم بن الحجاج يحيى بن يحيى ، وأبو كامل فضيل بن الحسين ، واللفظ وقتيبة بن سعيد ليحيى ، وأبي كامل ، قال يحيى : أخبرنا ، وقال الآخران : حدثنا ، عن حماد بن زيد عبيد الله بن أبي بكر ، عن - رضي الله عنه - أنس بن مالك ، وفي لفظ عند أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام إليه بمشقص أو مشاقص ، فكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يختله ليطعنه مسلم من حديث : سهل بن سعد الساعدي ، وفي أن رجلا اطلع في جحر في باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدرى يحك بها رأسه ، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " : لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينك " ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " مسلم روايات أخر بهذا المعنى قد اكتفينا منها بما ذكرنا .
وهذه النصوص الصحيحة التي ذكرنا لا ينبغي العدول عنها ، ولا تأويلها بغير مستند صحيح من كتاب أو سنة ، ولذلك اخترنا ما جاء فيها من أن تلك العين الخائنة يحل أخذها ، وتكون هدرا ، ولم نلتفت إلى قول من أقوال من خالف ذلك ، ولا لتأويلهم للنصوص بغير مستند يجب الرجوع إليه ، والعلم عند الله تعالى .