الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين قوله تعالى :
قد قدمنا مرارا أن من أنواع البيان التي تضمنها هذا الكتاب المبارك أن يقول بعض العلماء في الآية قولا ، ويكون في نفس الآية قرينة دالة على عدم صحة ذلك القول ، ذكرنا هذا في ترجمة الكتاب ، وذكرنا فيما مضى من الكتاب أمثلة كثيرة لذلك ، ومن أمثلة ذلك هذه الآية الكريمة .
وإيضاح ذلك : أن العلماء اختلفوا في المراد بالنكاح في هذه الآية ، فقال جماعة : المراد بالنكاح في هذه الآية : الوطء الذي هو نفس الزنى ، وقالت جماعة أخرى من أهل العلم : إن المراد بالنكاح في هذه الآية هو عقد النكاح ، قالوا : كعكسه ، وهذا القول الذي هو أن المراد بالنكاح في الآية التزويج لا الوطء في نفس الآية قرينة تدل على عدم صحته ، وتلك القرينة هي ذكر المشرك والمشركة في الآية ; لأن الزاني المسلم لا يحل له نكاح مشركة ، لقوله تعالى : فلا يجوز لعفيف أن يتزوج زانية ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن [ 2 \ 221 ] وقوله تعالى : لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن [ 60 \ 10 ] ، وقوله تعالى : ولا تمسكوا بعصم الكوافر [ 60 \ 10 ] ، وكذلك الزانية المسلمة لا يحل [ ص: 418 ] لها نكاح المشرك ; لقوله تعالى : ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا [ 2 \ 221 ] ، فنكاح المشركة والمشرك لا يحل بحال ، وذلك قرينة على أن المراد بالنكاح في الآية التي نحن بصددها الوطء الذي هو الزنى ، لا عقد النكاح ; لعدم ملاءمة عقد النكاح لذكر المشرك والمشركة ، والقول بأن منسوخ ظاهر السقوط ; لأن سورة " النور " مدنية ، ولا دليل على أن ذلك أحل نكاح الزاني للمشركة ، والزانية للمشرك بالمدينة ثم نسخ ، والنسخ لا بد له من دليل يجب الرجوع إليه .