اعلم أن أكثر أهل العلم قالوا : إن سليمان وداود إذ نفشت فيه غنم القوم بستان عنب ، والنفش : رعي الغنم ليلا خاصة ، ومنه قول الراجز : الحرث الذي حكم فيه
بدلن بعد النفش الوجيفا وبعد طول الجرة الصريفا
وقيل : كان الحرث المذكور زرعا ، وذكروا أن داود حكم بدفع الغنم لأهل الحرث عوضا من حرثهم الذي نفشت فيه فأكلته . وقال بعض أهل العلم : اعتبر قيمة الحرث فوجد الغنم بقدر القيمة فدفعها إلى أصحاب الحرث ، إما لأنه لم يكن لهم دراهم أو تعذر بيعها ، ورضوا بدفعها ورضي أولئك بأخذها بدلا من القيمة . وأما سليمان فحكم بالضمان على [ ص: 230 ] أصحاب الغنم ، وأن يضمنوا ذلك بالمثل بأن يعمروا البستان حتى يعود كما كان حين نفشت فيه غنمهم . ولم يضيع عليهم غلته من حين الإتلاف إلى حين العود ، بل أعطى أصحاب البستان ماشية أولئك ليأخذوا من نمائها بقدر نماء البستان فيستوفوا من نماء غنمهم نظير ما فاتهم من نماء حرثهم . وقد اعتبر النماءين فوجدهما سواء ، قالوا : وهذا هو العلم الذي خصه الله به ، وأثنى عليه بإدراكه . هكذا يقولون ، والله تعالى أعلم .