أما اللواتي لا يحضن ، لكبر أو صغر فقد بين أن عدتهن ثلاثة أشهر في قوله : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن [ 65 \ 4 ] .
قوله تعالى : ثلاثة قروء فيه إجمال ; لأن يطلق لغة على الحيض ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " القرء " . ويطلق القرء لغة أيضا على الطهر ومنه قول دعي الصلاة أيام أقرائك الأعشى : [ الطويل ]
أفي كل يوم أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا
[ ص: 97 ]
مورثة مالا وفي الحي رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا
ومعلوم أن القرء الذي يضيع على الغازي من نسائه هو الطهر دون الحيض ، وقد اختلف العلماء في المراد بالقروء في هذه الآية الكريمة ، هل هو الأطهار أو الحيضات ؟
وسبب الخلاف اشتراك القرء بين الطهر والحيض كما ذكرنا ، وممن ذهب إلى أن المراد بالقرء في الآية الطهر مالك ، ، والشافعي ، وأم المؤمنين عائشة ، وزيد بن ثابت ، والفقهاء السبعة ، وعبد الله بن عمر ، وأبان بن عثمان ، وعامة فقهاء والزهري المدينة وهو رواية عن أحمد ، وممن قال : بأن القروء الحيضات الخلفاء الراشدون الأربعة ، ، وابن مسعود وأبو موسى ، ، وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء ، ، وابن عباس ، وجماعة من التابعين وغيرهم ، وهو الرواية الصحيحة عن ومعاذ بن جبل أحمد .
واحتج كل من الفريقين بكتاب وسنة ، وقد ذكرنا في ترجمة هذا الكتاب أننا في مثل ذلك نرجح ما يظهر لنا أن دليله أرجح أما الذين قالوا القروء الحيضات ، فاحتجوا بأدلة كثيرة منها قوله تعالى : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن قالوا : فترتيب العدة بالأشهر على عدم الحيض يدل على أن أصل العدة بالحيض ، والأشهر بدل من الحيضات عند عدمها ، واستدلوا أيضا بقوله : ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن [ 2 \ 228 ] .
قالوا : هو الولد أو الحيض ، واحتجوا بحديث " " قالوا : إنه صلى الله عليه وسلم هو مبين الوحي وقد أطلق القرء على الحيض ، فدل ذلك على أنه المراد في الآية ، واستدلوا بحديث اعتداد الأمة بحيضتين ، وحديث استبرائها بحيضة . دعي الصلاة أيام أقرائك
وأما الذين قالوا : القروء الأطهار ، فاحتجوا بقوله تعالى : فطلقوهن لعدتهن [ 65 \ 1 ] قالوا : عدتهن المأمور بطلاقهن لها ، الطهر لا الحيض كما هو صريح الآية ، ويزيده إيضاحا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث المتفق عليه : " ابن عمر " قالوا : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صرح في هذا الحديث المتفق عليه ، بأن الطهر هو العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء ، مبينا أن ذلك هو معنى قوله تعالى : فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمر الله فطلقوهن لعدتهن وهو نص من كتاب الله وسنة نبيه في محل النزاع .
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر لي أن دليل هؤلاء هذا - فصل في محل النزاع - [ ص: 98 ] لأن مدار الخلاف هل القروء الحيضات أو الأطهار ؟ وهذه الآية وهذا الحديث دلا على أنها الأطهار .
ولا يوجد في كتاب الله ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - شيء يقاوم هذا الدليل ، لا من جهة الصحة ، ولا من جهة الصراحة في محل النزاع ; لأنه حديث متفق عليه مذكور في معرض بيان معنى آية من كتاب الله تعالى .
وقد صرح فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، بأن الطهر هو العدة مبينا أن ذلك هو مراد الله جل وعلا ، بقوله : فطلقوهن لعدتهن ، فالإشارة في قوله صلى الله عليه وسلم : " " راجعة إلى حال الطهر الواقع فيه الطلاق ; لأن معنى قوله " فليطلقها طاهرا " أي : في حال كونها طاهرا ، ثم بين أن ذلك الحال الذي هو الطهر هو العدة مصرحا بأن ذلك هو مراد الله في كتابه العزيز ، وهذا نص صريح في أن العدة بالطهر . وأنث بالإشارة لتأنيث الخبر ، ولا تخلص من هذا الدليل لمن يقول هي الحيضات إلا إذا قال : العدة غير القروء ، والنزاع في خصوص القروء كما قال بهذا بعض العلماء . فتلك العدة
وهذا القول يرده إجماع أهل العرف الشرعي ، وإجماع أهل اللسان العربي ، على أن عدة من تعتد بالقروء هي نفس القروء لا شيء آخر زائد على ذلك . وقد قال تعالى : وأحصوا العدة [ 65 \ 1 ] وهي زمن التربص إجماعا ، وذلك هو المعبر عنه بثلاثة قروء ، التي هي معمول قوله تعالى : يتربصن [ 2 \ 228 ] في هذه الآية فلا يصح لأحد أن يقول : إن على المطلقة التي تعتد بالأقراء شيئا يسمى العدة زائدا على ثلاثة القروء المذكورة في الآية الكريمة البتة ، كما هو معلوم .