قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=28nindex.php?page=treesubj&link=28989_19580ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا .
نهى الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة عن طاعة من أغفل الله قلبه عن ذكره واتبع هواه ، وكان أمره فرطا ، وقد كرر في القرآن نهي نبيه صلى الله عليه وسلم عن اتباع مثل هذا الغافل عن ذكر الله المتبع هواه ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=24فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا [ 76 \ 24 ] ، وقولـه :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=48ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم الآية [ 33 \ 48 ] ،
[ ص: 265 ] وقولـه تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=9ودوا لو تدهن فيدهنون ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم [ 68 \ 8 - 12 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وقد أمره في موضع آخر بالإعراض عن المتولين عن ذكر الله ، والذين لا يريدون غير الحياة الدنيا ، وبين له أن ذلك هو مبلغهم من العلم ; وذلك في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=29فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم .
وقولـه في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=28من أغفلنا قلبه [ 18 \ 28 ] ، يدل على أن ما يعرض للعبد من غفلة ومعصية ، إنما هو بمشيئة الله تعالى ، إذ لا يقع شيء البتة كائنا ما كان إلا بمشيئته الكونية القدرية ، جل وعلا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=30وما تشاءون إلا أن يشاء الله الآية [ 76 \ 30 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=107ولو شاء الله ما أشركوا [ 6 \ 107 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=13ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها [ 32 \ 13 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35ولو شاء الله لجمعهم على الهدى [ 6 \ 35 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7ختم الله على قلوبهم الآية [ 2 \ 7 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=46وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ 17 \ 46 ] ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن كل شيء من خير وشر ، لا يقع إلا بمشيئة خالق السماوات والأرض . فما يزعمه
المعتزلة ، ويحاول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في تفسيره دائما تأويل آيات القرآن على نحو ما يطابقه من استقلال قدرة العبد وإرادته فأفعاله دون مشيئة الله ، لا يخفى بطلانه كما تدل عليه الآيات المذكورة آنفا ، وأمثالها في القرآن كثيرة .
ومعنى اتباعه هواه : أنه يتبع ما تميل إليه نفسه الأمارة بالسوء وتهواه من الشر ، كالكفر والمعاصي .
وقولـه :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=28وكان أمره فرطا ، قيل : هو من التفريط الذي هو التقصير ، وتقديم العجز بترك الإيمان ، وعلى هذا فمعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=28وكان أمره فرطا ، أي : كانت أعماله سفها وضياعا وتفريطا ، وقيل : من الإفراط الذي هو مجاوزة الحد ، كقول الكفار المحتقرين لفقراء المؤمنين : نحن أشراف
مضر وساداتها ! إن اتبعناك اتبعك جميع الناس ، وهذا من التكبر والإفراط في القول ، وقيل " فرطا " أي : قدما في الشر . من قولهم : فرط منه أمر ، أي : سبق . وأظهر الأقوال في معنى الآية الكريمة عندي بحسب اللغة العربية التي نزل بها القرآن أن معنى قوله " فرطا " : أي : متقدما للحق والصواب ، نابذا له وراء
[ ص: 266 ] ظهره . من قولهم : فرس فرط ، أي : متقدم للخيل ، ومنه قول
لبيد في معلقته :
ولقد حميت الخيل تحمل شكتي فرط وشاحي إذ غدوت لجامها
وإلى ما ذكرنا في معنى الآية ترجع أقوال المفسرين كلها ، كقول
قتادة ومجاهد " فرطا " أي : ضياعا . وكقول
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل بن حيان " فرطا " أي : سرفا ، كقول الفراء " فرطا " أي : متروكا . وكقول
الأخفش " فرطا " أي : مجاوزا للحد ، إلى غير ذلك من الأقوال .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=28nindex.php?page=treesubj&link=28989_19580وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا .
نَهَى اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنْ طَاعَةِ مَنْ أَغْفَلَ اللَّهُ قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِهِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ، وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطَا ، وَقَدْ كَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ نَهْيَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اتِّبَاعِ مِثْلِ هَذَا الْغَافِلِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ الْمُتَّبَعِ هَوَاهُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=24فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا [ 76 \ 24 ] ، وَقَوْلِـهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=48وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ الْآيَةَ [ 33 \ 48 ] ،
[ ص: 265 ] وَقَوْلُـهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=9وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ [ 68 \ 8 - 12 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَقَدْ أَمَرَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْمُتَوَلِّينَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ، وَالَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ غَيْرَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ; وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=29فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ .
وَقَوْلُـهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=28مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ [ 18 \ 28 ] ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يَعْرِضُ لِلْعَبْدِ مِنْ غَفْلَةٍ وَمَعْصِيَةٍ ، إِنَّمَا هُوَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، إِذْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ الْبَتَّةَ كَائِنًا مَا كَانَ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ الْكَوْنِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ ، جَلَّ وَعَلَا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=30وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ الْآيَةَ [ 76 \ 30 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=107وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا [ 6 \ 107 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=13وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا [ 32 \ 13 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى [ 6 \ 35 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ الْآيَةَ [ 2 \ 7 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=46وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا [ 17 \ 46 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ ، لَا يَقَعُ إِلَّا بِمَشِيئَةِ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . فَمَا يَزْعُمُهُ
الْمُعْتَزِلَةُ ، وَيُحَاوِلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ دَائِمًا تَأْوِيلَ آيَاتِ الْقُرْآنِ عَلَى نَحْوِ مَا يُطَابِقُهُ مِنِ اسْتِقْلَالِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ وَإِرَادَتِهِ فَأَفْعَالُهُ دُونَ مَشِيئَةِ اللَّهِ ، لَا يَخْفَى بُطْلَانُهُ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ آنِفًا ، وَأَمْثَالُهَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ .
وَمَعْنَى اتِّبَاعِهِ هَوَاهُ : أَنَّهُ يَتْبَعُ مَا تَمِيلُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ وَتَهْوَاهُ مِنَ الشَّرِّ ، كَالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي .
وَقَوْلُـهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=28وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ، قِيلَ : هُوَ مِنَ التَّفْرِيطِ الَّذِي هُوَ التَّقْصِيرُ ، وَتَقْدِيمُ الْعَجْزِ بِتَرْكِ الْإِيمَانِ ، وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=28وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ، أَيْ : كَانَتْ أَعْمَالُهُ سَفَهًا وَضَيَاعًا وَتَفْرِيطًا ، وَقِيلَ : مِنَ الْإِفْرَاطِ الَّذِي هُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ ، كَقَوْلِ الْكُفَّارِ الْمُحْتَقِرِينَ لِفُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ : نَحْنُ أَشْرَافُ
مُضَرَ وَسَادَاتُهَا ! إِنِ اتَّبَعْنَاكَ اتَّبَعَكَ جَمِيعُ النَّاسِ ، وَهَذَا مِنَ التَّكَبُّرِ وَالْإِفْرَاطِ فِي الْقَوْلِ ، وَقِيلَ " فُرُطًا " أَيْ : قِدَمًا فِي الشَّرِّ . مِنْ قَوْلِهِمْ : فَرَطَ مِنْهُ أَمْرٌ ، أَيْ : سَبَقَ . وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عِنْدِي بِحَسَبَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " فُرُطًا " : أَيْ : مُتَقَدِّمًا لِلْحَقِّ وَالصَّوَابِ ، نَابِذًا لَهُ وَرَاءَ
[ ص: 266 ] ظَهْرِهِ . مِنْ قَوْلِهِمْ : فَرَسٌ فُرُطٌ ، أَيْ : مُتَقَدِّمٌ لِلْخَيْلِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
لَبِيدٍ فِي مُعَلَّقَتِهِ :
وَلَقَدْ حَمَيْتُ الْخَيْلَ تَحْمِلُ شَكَّتِي فُرُطٌ وِشَاحِي إِذْ غَدَوْتُ لِجَامَهَا
وَإِلَى مَا ذَكَرْنَا فِي مَعْنَى الْآيَةِ تَرْجِعُ أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ كُلُّهَا ، كَقَوْلِ
قَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ " فُرُطًا " أَيْ : ضَيَاعًا . وَكَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=17132مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ " فُرُطًا " أَيْ : سَرَفَا ، كَقَوْلِ الْفَرَّاءِ " فُرُطًا " أَيْ : مَتْرُوكًا . وَكَقَوْلِ
الْأَخْفَشِ " فُرُطًا " أَيْ : مُجَاوِزًا لِلْحَدِّ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ .