يسألونك عن الشهر الحرام ) الآية [ 217 ] . قوله تعالى : (
129 م - أخبرنا أبو عبد الله بن عبد الله الشيرازي ، حدثنا ، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه الهروي أبو الحسن علي بن محمد الخزاعي ، حدثنا ، أخبرني أبو اليمان : الحكم بن نافع ، عن شعيب بن أبي حمزة ، قال : أخبرني الزهري عروة بن الزبير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بعث سرية من المسلمين وأمر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي ، فانطلقوا حتى هبطوا نخلة ووجدوا بها عمرو بن الحضرمي في عير تجارة لقريش ، في يوم بقي من الشهر الحرام ، فاختصم المسلمون فقال قائل منهم : لا نعلم هذا اليوم إلا من الشهر الحرام ، ولا نرى أن تستحلوه لطمع أشفيتم عليه . فغلب على الأمر الذين يريدون عرض الدنيا ، فشدوا على ابن الحضرمي فقتلوه وغنموا عيره ، فبلغ ذلك كفار قريش ، وكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين وبين المشركين ، فركب وفد من كفار قريش حتى قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا : أتحل القتال في الشهر الحرام ؟ فأنزل الله تعالى : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ) إلى آخر الآية .
130 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحارثي . أخبرني عبد الله بن محمد بن جعفر ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد الرازي ، حدثنا ، حدثنا سهل بن عثمان عن يحيى بن أبي زائدة محمد بن إسحاق ، عن قال : الزهري بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عبد الله بن جحش ومعه نفر من المهاجرين ، فقتل عبد الله بن واقد الليثي عمرو بن الحضرمي ، في آخر يوم من رجب وأسروا رجلين ، واستاقوا العير ، فوقف على ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : لم آمركم بالقتال في الشهر الحرام . فقالت قريش : استحل محمد الشهر الحرام ، فنزلت ( يسألونك عن الشهر الحرام ) إلى قوله : ( والفتنة أكبر من القتل ) . أي قد كانوا يفتنونكم وأنتم في حرم الله بعد إيمانكم ، وهذا أكبر عند الله من أن تقتلوهم في الشهر الحرام مع كفرهم بالله . قال : لما نزل هذا قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العير وفادى الأسيرين . ولما فرج الله تعالى عن أهل تلك السرية ما كانوا فيه من غم ، طمعوا فيما عند الله من ثوابه ، فقالوا : يا نبي الله أنطمع أن تكون غزوة ولا نعطى فيها أجر المجاهدين في سبيل الله ، فأنزل الله تعالى فيها : ( الزهري إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا ) الآية .
131 - قال المفسرون : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عبد الله بن جحش ، وهو ابن عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، في جمادى الآخرة ، قبل قتال بدر بشهرين ، على رأس سبعة عشر شهرا من [ ص: 36 ] مقدمه المدينة ، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين : ، سعد بن أبي وقاص الزهري ، وعكاشة بن محصن الأسدي ، وعتبة بن غزوان السلمي وأبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، ، وسهيل بن بيضاء ، وعامر بن ربيعة وواقد بن عبد الله ، ، وكتب لأميرهم وخالد بن بكير عبد الله بن جحش كتابا وقال : سر على اسم الله ، ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين ، فإذا نزلت منزلين فافتح الكتاب واقرأه على أصحابك ، ثم امض لما أمرتك ، ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك ، فسار عبد الله يومين ، ثم نزل وفتح الكتاب فإذا فيه :
" بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد ، فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة ، فترصد بها عير قريش لعلك أن تأتينا منه بخبر " فلما نظر عبد الله في الكتاب قال : سمعا وطاعة ، ثم قال لأصحابه ذلك وقال : إنه قد نهاني أن أستكره أحدا منكم .
حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع ، وقد أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه ، فاستأذنا أن يتخلفا في طلب بعيرهما ، فأذن لهما فتخلفا في طلبه ، ومضى عبد الله ببقية أصحابه حتى وصلوا بطن نخلة بين مكة والطائف ، فبينما هم كذلك إذ مرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة الطائف ، فيهم عمرو بن الحضرمي ، والحكم بن كيسان ، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة ، ونوفل بن عبد الله ، المخزوميان . فلما رأوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، هابوهم ، فقال عبد الله بن جحش : إن القوم قد ذعروا منكم ، فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرض لهم ، فإذا رأوه محلوقا أمنوا وقالوا : قوم عمار ، فحلقوا رأس عكاشة ، ثم أشرف عليهم فقالوا : قوم عمار لا بأس عليكم . فأمنوهم ، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة ، وكانوا يرون أنه من جمادى أو هو رجب ، فتشاور القوم فيهم وقالوا : لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم ، فأجمعوا أمرهم في مواقعة القوم ، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، فكان أول قتيل من المشركين ، واستأسر الحكم وعثمان ، فكانا أول أسيرين في الإسلام . وأفلت نوفل وأعجزهم . واستاق المؤمنون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بالمدينة
فقالت قريش : قد استحل محمد الشهر الحرام ، شهرا يأمن فيه الخائف وييذعر الناس لمعاشهم ، فسفك فيه الدماء وأخذ فيه الحرائب ، وعير بذلك أهل مكة من كان بها من المسلمين فقالوا : يا معشر الصباة ، استحللتم الشهر الحرام فقاتلتم فيه . وتفاءلت اليهود بذلك وقالوا : واقد وقدت الحرب وعمرو عمرت الحرب والحضرمي : حضرت الحرب ، وبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لابن جحش وأصحابه : ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام ، ووقف العير والأسيرين ، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا ، فعظم ذلك على أصحاب السرية ، وظنوا أن قد هلكوا ، وسقط في أيديهم ، وقالوا : يا رسول الله ، إنا قتلنا ابن الحضرمي ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب ، فلا ندري أفي رجب أصبناه أو في جمادى ؟ وأكثر الناس في ذلك ،
فأنزل الله تعالى : ( يسألونك عن الشهر الحرام ) الآية . فأخذ رسول [ ص: 37 ] الله - صلى الله عليه وسلم - العير فعزل منها الخمس ، فكان أول خمس في الإسلام ، وقسم الباقي بين أصحاب السرية فكان أول غنيمة في الإسلام . وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم فقال : بل نقفهما حتى يقدم سعد وعتبة ، فإن لم يقدما قتلناهما بهما . فلما قدما فاداهما . وأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فقتل يوم بئر معونة شهيدا . وأما عثمان بن عبد الله فرجع إلى مكة فمات بها كافرا . وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق على المسلمين فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعا . فقتله الله تعالى وطلب المشركون جيفته بالثمن ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خذوه فإنه خبيث الجيفة ، خبيث الدية . فهذا سبب نزول قوله تعالى : ( يسألونك عن الشهر الحرام ) والآية التي بعدها .