وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ) . قوله تعالى : (
623 - قال المفسرون : لما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تولي قومه عنه ، وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به ، تمنى في نفسه أن يأتيه من الله تعالى ما يقارب به بينه وبين قومه ، وذلك لحرصه على إيمانهم . فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله ، وأحب يومئذ أن لا يأتيه من الله تعالى شيء ينفرون عنه ، وتمنى ذلك ، فأنزل الله تعالى سورة : ( والنجم إذا هوى ) فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ) ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه وتمناه : " تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى " فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ، ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قراءته ، فقرأ السورة كلها ، وسجد في آخر السورة ، فسجد المسلمون بسجوده ، وسجد جميع من في المسجد من المشركين ، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد ، إلا الوليد بن المغيرة ، فإنهما أخذا حفنة من وأبا أحيحة سعيد بن العاص ، البطحاء ورفعاها إلى جبهتهما وسجدا عليها ، لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود ، وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا ، وقالوا : قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر ، فقالوا : قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق لكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده ، فإن جعل لها محمد نصيبا فنحن معه . فلما أمسى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه جبريل - عليه السلام - فقال : ماذا صنعت ؟ تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله سبحانه ، وقلت ما لم أقل لك " . فحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حزنا شديدا ، وخاف من الله خوفا كبيرا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقالت قريش : ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله ، فازدادوا شرا إلى ما كانوا عليه .
624 - أخبرنا أبو بكر الحارثي قال : أخبرنا أبو بكر [ محمد ] بن حيان قال : أخبرنا أبو يحيى الرازي قال : أخبرنا سهل العسكري قال : أخبرنا يحيى ، عن ، عن عثمان بن الأسود قال : سعيد بن جبير قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ) [ ص: 162 ] فألقى الشيطان على لسانه : " تلك الغرانيق العلى ، و [ إن ] شفاعتهن ترتجى ، ففرح بذلك المشركون ، وقالوا : قد ذكر آلهتنا . فجاء جبريل - عليه السلام - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : اعرض علي كلام الله . فلما عرض عليه فقال : أما هذا فلم آتك به ، هذا من الشيطان ، فأنزل الله تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ) .