( وأما ما ورد في ) فقد صنف الناس في ذلك القرآن وفضائله وغيره . ( ومما روي ) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " كأبي عبيد القاسم بن سلام ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم " ، قيل : فما النجاة يا رسول الله ؟ قال : " كتاب الله - تعالى - فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم ، وهو فصل ليس بالهزل ، من تركه تجبرا قصمه الله - تعالى - ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله - تعالى - وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء ، من علم علمه سبق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن عصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن " . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " " . وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في آخر خطبة خطبها وهو مريض : " اتلوا هذا القرآن ، فإن الله - تعالى - يأجركم بالحرف عشر حسنات ، أما إني لا أقول الم حرف ، ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف " . وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين ، إنه لن تعمى أبصاركم ولن تضل قلوبكم ولن تزل أقدامكم ولن تقصر أيديكم ، كتاب الله سبب بينكم وبينه ، طرفه بيده وطرفه بأيديكم ، فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وأحلوا حلاله وحرموا حرامه ، ألا وأهل بيتي وعترتي وهو الثقل الآخر ، فلا تسبوهم فتهلكوا من قرأ القرآن فرأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظم الله " . وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ما من شفيع أفضل عند الله من القرآن لا نبي ولا ملك " . وعنه - صلى الله عليه وسلم - " أفضل عبادة أمتي القرآن " ، وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أشرف أمتي حملة القرآن " ، وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من قرأ مائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية لم يكن من الغافلين ، ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن " ، وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " القرآن شافع مشفع وما حل مصدق ، من شفع له القرآن نجا ، ومن محل به القرآن يوم القيامة أكبه الله لوجهه في النار ، وأحق من شفع له القرآن أهله وحملته ، وأولى من محل به القرآن من عدل عنه وضيعه " ، وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن أصغر البيوت بيت صفر من كتاب الله - تعالى - " ، وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " ، وعنه - صلى الله عليه وسلم - " إن الذي يتعاهد القرآن ويشتد عليه له أجران ، والذي يقرؤه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة " . أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه وقال قوم من الأنصار للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ألم تر يا رسول الله لم تزل داره البارحة تزهر وحولها أمثال المصابيح ؟ فقال لهم : " فلعله قرأ سورة البقرة " ، فسئل ثابت بن قيس فقال : قرأت سورة البقرة ثابت بن قيس . وقد خرج في البخاري بقراءة سورة البقرة أسيد بن حضير ، وقال تنزيل الملائكة في الظلمة لصوت : عقبة بن عامر عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع فقال : " عليكم بالقرآن " . . وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أحسن الناس قراءة أو صوتا بالقرآن فقال : " الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله - تعالى -
( وأما ) فروى ما ورد في تفسيره ابن عباس أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أي علم القرآن أفضل ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " عربيته [ ص: 13 ] فالتمسوها في الشعر " ، وقال أيضا - صلى الله عليه وسلم - : " أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه ، فإن الله - تعالى - يحب أن يعرب " ، وقد فسرت الحكمة من قوله تعالى ( ومن يؤت الحكمة ) بأنها تفسير القرآن ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة " . وقال الحسن : أهلكتهم العجمة ، يقرأ أحدهم الآية فيعيا بوجوهها حتى يفتري على الله فيها . وقال : الذي يقرأ القرآن ولا يفسر كالأعرابي الذي يهذ الشعر . ووصف ابن عباس علي لكونه يعرف تفسير قوله تعالى " جابر بن عبد الله إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " ، ورحل مسروق البصرة في تفسير آية فقيل له : الذي يفسرها رجع إلى الشام ، فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها ، وقال مجاهد : أحب الخلق إلى الله - تعالى - أعلمهم بما أنزل . ( وما روي ) عنه - صلى الله عليه وسلم - من كونه لا يفسر من كتاب الله إلا آيا بعدد علمه إياهن جبريل - عليه السلام - محمول ذلك على مغيبات القرآن وتفسيره لمجمله ونحوه مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله - تعالى - . ( وما روي ) عنه - صلى الله عليه وسلم - من قوله : " " محمول على من تسور على تفسيره برأيه دون نظر في أقوال العلماء وقوانين العلوم كالنحو واللغة والأصول ، وليس من اجتهد ففسر على قوانين العلم والنظر بداخل في ذلك الحديث ولا هو يفسر برأيه ولا يوصف بالخطأ ، والمنقول عنه الكلام في تفسير القرآن من الصحابة جماعة منهم من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ، فهؤلاء مشاهير وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنهم - وقد نقل عن غير هؤلاء غير ما شيء من التفسير . ( ومن المتكلمين ) في التفسير من التابعين من أخذ عنه التفسير من الصحابة الحسن بن أبي الحسن ومجاهد بن جبر وسعيد بن جبير وعلقمة والضحاك بن مزاحم والسدي وأبو صالح ، وكان يطعن على الشعبي السدي وأبي صالح لأنه كان يراهما مقصرين في النظر . ثم تتابع الناس في التفسير وألفوا فيه التآليف ، وكانت تآليف المتقدمين أكثرها إنما هي شرح لغة ونقل سبب ونسخ وقصص لأنهم كانوا قريبي عهد بالعرب وبلسان العرب ، فلما فسد اللسان وكثرت العجم ودخل في دين الإسلام أنواع الأمم المختلفو الألسنة والناقصو الإدراك ، احتاج المتأخرون إلى إظهار ما انطوى عليه كتاب الله - تعالى - من غرائب التركيب وانتزاع المعاني وإبراز النكت البيانية حتى يدرك ذلك من لم تكن في طبعه ، ويكتسبها من لم تكن نشأته عليها ولا عنصره يحركه إليها ، بخلاف الصحابة والتابعين من العرب ، فإن ذلك كان مركوزا في طباعهم يدركون تلك المعاني كلها من غير موقف ولا معلم ; لأن ذلك هو لسانهم وخطتهم وبيانهم ، على أنهم كانوا يتفاوتون أيضا في الفصاحة وفي البيان ، ألا ترى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - حين سمع كلام عمرو بن الأهتم في الزبرقان : " " ، وقد أشرنا فيما تقدم إلى تفاوت العرب في الفصاحة . إن من البيان لسحرا