قد يهز الحسام وهو حسام ويجب الجواد وهو جواد
وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب : ( لا يغرنك ) و ( لا يصدنك ) و ( لا يصدنكم ) و ( لا يغرنكم ) وشبهه بالنون الخفيفة . وتقلبهم : هو تصرفهم في التجارات ، قاله ، ابن عباس ، والفراء وابن قتيبة ، . أو ما يجري عليهم من النعم ، قاله والزجاج عكرمة ، ومقاتل . أو تصرفهم غير مأخوذين بذنوبهم ، قاله بعض المفسرين .
( متاع قليل ) أي ذلك التقلب والتبسط شيء قليل متعوا به ، ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد . وقلته باعتبار انقضائه وزواله ، وروي : ( ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع ) خرجه الترمذي .
وروي : ( ) أو باعتبار ما فاتهم من نعيم الآخرة ، أو باعتبار ما أعد الله للمؤمنين من الثواب . ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب قال في ظل شجرة في يوم حار ثم راح وتركها
( ثم مأواهم جهنم ) ثم المكان الذي يأوون إليه إنما هو جهنم ، وعبر بالمأوى إشعارا بانتقالهم عن الأماكن التي تقلبوا فيها ، وكأن البلاد التي تقلبوا فيها إنما كانت لهم أماكن انتقال من مكان إلى مكان ، لا قرار لهم ولا خلود . ثم المأوى الذي يأوون إليه ويستقرون فيه هو جهنم .
( وبئس المهاد ) أي وبئس المهاد جهنم . وقال الحطيئة :
أطوف ما أطوف ثم آوي إلى بيت قعيدته لكاع
( لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ) لما تضمن ما تقدم أن ذلك التقلب والتصرف في البلاد هو متاع قليل ، وأنهم يأوون بعد إلى جهنم ، فدل على قلة ما متعوا به ؛ لأن ذلك منقض بانقضاء حياتهم ، ودل على استقرارهم في النار ، استدرك بـ ( لكن ) - الإخبار عن المتقين بمقابل ما أخبر به عن الكافرين ، وذلك شيئان : أحدهما : مكان استقرار وهي الجنات ، والثاني : ذكر الخلود فيها وهو الإقامة دائما والتمتع بنعيمها سرمدا . فقابل جهنم بالجنات ، وقابل قلة متاعهم بالخلود الذي هو الديمومة في النعيم ، فوقعت ( لكن ) هنا أحسن موقع ، لأنه آل معنى الجملتين إلى تكذيب الكفار وإلى تنعيم المتقين ، فهي واقعة بين الضدين . وقرأ الجمهور : ( لكن ) خفيفة النون . وقرأ أبو جعفر بالتشديد ، ولم يظهر لها عمل ؛ لأن اسمها مبني .
( نزلا من عند الله ) النزل ما يعد للنازل من الضيافة والقرى . ويجوز تسكين زايه ، وبه قرأ الحسن ، والنخعي ، و مسلمة بن محارب ، . وقال الشاعر : والأعمش
وكنا إذا الجبار بالجيش خافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلا
قال : النزل الثواب ، وهي كقوله : ( ابن عباس ثوابا من عند الله ) وقال ابن فارس : النزل ما يهيأ للنزيل ، والنزيل الضيف . وقيل : النزل الرزق وما يتغذى به . ومنه : ( فنزل من حميم ) أي فغذاؤه . ويقال : أقمت للقوم نزلهم أي ما يصلح أن ينزل عليه من الغذاء ، وجمعه أنزال . وقال الهروي : الأنزال التي سويت ، ونزل عليها . ومعنى ( من عند الله ) : أي لا من عند غيره ، وسماه نزلا لأنه ارتفع عنهم تكاليف السعي والكسب ، فهو شيء مهيأ يهيأ لهم لا تعب عليهم في تحصيله هناك ، ولا مشقة . كالطعام المهيأ للضيف لم يتعب في تحصيله ، ولا في تسويته ومعالجته . وانتصاب ( نزلا ) قالوا : إما على الحال من ( جنات ) لتخصصها بالوصف ، والعامل فيها [ ص: 148 ] العامل في ( لهم ) . وإما بإضمار فعل ، أي : جعلها نزلا . وإما على المصدر المؤكد فقدره ابن عطية : تكرمة ، وقدره : رزقا أو عطاء . وقال الزمخشري الفراء : انتصب على التفسير ، كما تقول : هو لك هبة وصدقة انتهى . وهذا القول راجع إلى الحال .
( وما عند الله خير للأبرار ) ظاهره حوالة الصلة على ما تقدم من قوله : نزلا من عند الله . والمعنى : أن الذي أعده الله للأبرار في الآخرة خير لهم ، فيحتمل أن يكون المفضل عليه بالنسبة للأبرار ، أي : خير لهم مما هم فيه في الدنيا ، وإليه ذهب . وجاء ( ابن مسعود ) ويحتمل أن يكون بالنسبة إلى الكفار ، أي : خير لهم مما يتقلب فيه الكفار من المتاع الزائل . وقيل : ( خير ) هنا ليست للتفضيل ، كما أنها في قوله تعالى : ( لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا ) والأظهر ما قدمناه .
و ( للأبرار ) متعلق بـ ( خير ) ، والأبرار هم المتقون الذين أخبر عنهم بأن لهم جنات . وقيل : فيه تقديم وتأخير . أي : الذي عند الله للأبرار خير لهم ، وهذا ذهول عن قاعدة العربية من أن المجرور إذ ذاك يتعلق بما تعلق به الظرف الواقع صلة للموصول ، فيكون المجرور داخلا في حيز الصلة ، ولا يخبر عن الموصول إلا بعد استيفائه صلته ومتعلقاتها .