(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=28973أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ) أو لها خمسة معان : الشك ، والإبهام ، والتخيير ، والإباحة ، والتفصيل . وزاد الكوفيون أن تكون بمعنى الواو وبمعنى بل ، وكان شيخنا
أبو الحسن بن الصائغ يقول : أو لأحد الشيئين أو الأشياء . وقال
السهيلي : أو للدلالة على أحد الشيئين من غير تعيين ، ولذلك وقعت في الخبر المشكوك فيه من حيث إن الشك تردد بين أمرين من غير ترجيح ، لا أنها وضعت للشك ، فقد تكون في الخبر ، ولا شك إذا أبهمت على المخاطب . وأما التي للتخيير فعلى أصلها لأن المخير إنما يريد أحد الشيئين ، وأما التي زعموا أنها للإباحة فلم تؤخذ الإباحة من لفظ ( أو ) ولا من معناها ، إنما أخذت من صيغة الأمر مع قرائن الأحوال ، وإنما دخلت لغلبة العادة في أن المشتغل بالفعل الواحد لا يشتغل بغيره ، ولو جمع بين المباحين لم يعص ، علما بأن أو ليست معتمدة هنا . الصيب : المطر ، يقال : صاب يصوب فهو صيب إذا نزل والسحاب أيضا ، قال الشاعر :
حتى عفاها صيب ودقه داني النواحي مسبل هاطل
وقال
الشماخ :
وأشحم دان صادق الرعد صيب
ووزن صيب فيعل عند البصريين ، وهو من الأوزان المختصة بالمعتل العين ، إلا ما شذ في الصحيح من قولهم :
صيقل بكسر القاف علم لامرأة ، وليس وزنه فعيلا ، خلافا
للفراء . وقد نسب هذا المذهب للكوفيين وهي مسألة يتكلم عليها في علم التصريف . وقد تقدم الكلام على تخفيف مثل هذا . السماء : كل ما علاك من سقف ونحوه ، والسماء المعروفة ذات البروج ، وأصلها الواو لأنها من السمو ، ثم قد يكون بينها وبين المفرد تاء تأنيث . قالوا : سماوة ، وتصح الواو إذ ذاك لأنها بنيت عليها الكلمة ، قال
العجاج :
طي الليالي زلفا فزلفا سماوة الهلال حتى احقوقفا
والسماء مؤنث ، وقد يذكر ، قال الشاعر :
فلو رفع السماء إليه قوما لحقنا بالسماء مع السحاب
والجنس الذي ميز واحده بتاء ، يؤنثه الحجازيون ، ويذكره التميميون
وأهل نجد ، وجمعهم لها على سماوات ، وعلى أسمية ، وعلى سماءات . قال : فوق سبع سمائنا شاذ لأنه ، أولا : اسم جنس فقياسه أن لا يجمع ، وثانيا : فجمعه بالألف والتاء ليس فيه شرط ما يجمع بهما قياسا ، وجمعه على أفعلة ليس مما ينقاس في المؤنث ، وعلى فعائل لا ينقاس في فعال .
الرعد ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16128وشهر بن حوشب وعكرمة : الرعد ملك يزجر السحاب بهذا الصوت ، وقال بعضهم : كلما خالفت سحابة صاح بها ، والرعد اسمه . وقال
علي وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس والخليل : صوت ملك يزجر السحاب . وروي هذا أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومجاهد . وقال
مجاهد : أيضا صوت ملك يسبح ، وقيل : ريح تختنق بين السماء والأرض . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنه ريح تختنق بين السحاب فتصوت ذلك الصوت ، وقيل : اصطكاك الأجرام السحابية ، وهو قول أرباب الهيئة . والمعروف في اللغة : أنه اسم الصوت المسموع ، وقاله
علي ، قال بعضهم : أكثر العلماء على أنه ملك ، والمسموع صوته يسبح ويزجر السحاب ، وقيل : الرعد صوت تحريك أجنحة الملائكة الموكلين بزجر السحاب . وتلخص من هذه النقول قولان : أحدهما : أن الرعد ملك ، الثاني : أنه صوت . قالوا : وسمي هذا الصوت رعدا لأنه يرعد سامعه ، ومنه رعدت الفرائص ، أي حركت وهزت كما
[ ص: 84 ] تهزه الرعدة . واتسع فيه فقيل : أرعد ، أي هدد وأوعد لأنه ينشأ عن الإبعاد . والتهدد : ارتعاد الموعد والمهدد .
البرق : مخراف حديد بيد الملك يسوق به السحاب ، قاله
علي ، أو أثر ضرب بذلك المخراف . وروي عن
علي : أو سوط نور بيد الملك يزجرها به ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أو ضرب ذلك السوط ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري وعزاه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وروي نحوه عن
مجاهد : أو ملك يتراءى . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أو الماء ، قاله قوم منهم
أبو الجلد جيلان بن فروة البصري ، أو تلألؤ الماء ، حكاه
ابن فارس ، أو نار تنقدح من اصطكاك أجرام السحاب ، قاله بعضهم . والذي يفهم من اللغة : أن الرعد عبارة عن هذا الصوت المزعج المسموع من جهة السماء ، وأن البرق هو الجرم اللطيف النوراني الذي يشاهد ولا يثبت .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين ) جعل : يكون بمعنى خلق أو بمعنى ألقى فيتعدى لواحد ، وبمعنى صير أو سمى فيتعدى لاثنين ، وللشروع في الفعل فتكون من أفعال المقاربة ، تدخل على المبتدأ والخبر بالشروط المذكورة في بابها . الأصبع : مدلولها مفهوم ، وهي مؤنثة ، وذكروا فيها تسع لغات وهي : الفتح للهمزة ، وضمها ، وكسرها مع كل من ذلك للباء . وحكوا عاشرة وهي : أصبوع ، بضمها ، وبعد الباء واو . وجميع أسماء الأصابع مؤنثة إلا الإبهام ، فإن بعض
بني أسد يقولون : هذا إبهام ، والتأنيث أجود ، وعليه العرب غير من ذكر . الأذن : مدلولها مفهوم ، وهي مؤنثة ، كذلك تلحقها التاء في التصغير قالوا : أذينة ، ولا تلحق في العدد ، قالوا : ثلاث آذان ، قال
أبو ثروان في أحجية له :
ما ذو ثلاث آذان يسبق الخيل بالرديان
يريد السهم وآذانه وقذذه . الصاعقة : الوقعة الشديدة من صوت الرعد معها قطعة من نار تسقط مع صوت الرعد ، قالوا : تنقدح من السحاب إذا اصطكت أجرامه ، وهي نار لطيفة حديدة لا تمر بشيء إلا أتت عليه ، وهي مع حدتها سريعة الخمود ، ويهلك الله بها من يشاء . قال
لبيد يرثي أخاه
أربد ، وكان ممن أحرقته الصاعقة :
فجعني البرق والصواعق بالفا رس يوم الكريهة النجد
ويشبه بالمقتول بها من مات سريعا ، قال
علقمة بن عبدة :
كأنهم صابت عليهم سحابة صواعقها لطيرهن دبيب
وروى
الخليل عن قوم من العرب : الساعقة بالسين ، وقال
النقاش : صاعقة وصعقة وصاقعة بمعنى واحد . قال
أبو عمرو : الصاقعة لغة
بني تميم ، قال الشاعر :
ألم تر أن المجرمين أصابهم صواقع لا بل هن فوق الصواقع
وقال
أبو النجم :
يحلون بالمقصورة القواطع تشقق البروق بالصواقع
فإذا كان ذلك لغة ، وقد حكوا تصريف الكلمة عليه ، لم يكن من باب المقلوب خلافا لمن ذهب إلى ذلك ، ونقل القلب عن جمهور أهل اللغة . ويقال : صعقته وأصعقته الصاعقة ، إذا أهلكته ، فصعق : أي هلك . والصاعقة أيضا العذاب على أي حال كان ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14120ابن عرفة ، والصاعقة والصاقعة : إما أن تكون صفة لصوت الرعد أو للرعد ، فتكون التاء للمبالغة نحو : راوية ، وإما أن تكون مصدرا ، كما قالوا في الكاذبة . الحذر والفزع والفرق والجزع والخوف : نظائر الموت ، عرض يعقب الحياة . وقيل : فساد بنية الحيوان ، وقيل : زوال الحياة . الإحاطة : حصر الشيء بالمنع له من كل جهة ، والثلاثي منه متعد ، قالوا : حاطه ، يحوطه ، حوطا .
أو كصيب : معطوف على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17كمثل الذي استوقد ) ، وحذف مضافان ، إذ التقدير : أو كمثل ذوي صيب ، نحو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=19كالذي يغشى عليه من الموت ) ، أي كدوران عين الذي
[ ص: 85 ] يغشى عليه . وأو هنا للتفصيل ، وكان من نظر في حالهم منهم من يشبهه بحال المستوقد ، ومنهم من يشبهه بحال ذوي صيب ، ولا ضرورة تدعو إلى كون أو للتخيير ، وأن المعنى أيهما شئت مثلهم به ، وإن كان
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج وغيره ذهب إليه ، ولا إلى أن أو للإباحة ، ولا إلى أنها بمعنى الواو ، كما ذهب إليه الكوفيون هنا . ولا إلى كون أو للشك بالنسبة للمخاطبين ، إذ يستحيل وقوعه من الله - تعالى - ولا إلى كونها بمعنى بل ، ولا إلى كونها للإبهام ؛ لأن التخيير والإباحة إنما يكونان في الأمر أو ما في معناه . وهذه جملة خبرية صرف . ولأن أو بمعنى الواو ، أو بمعنى بل ، لم يثبت عند البصريين ، وما استدل به مثبت ذلك مؤول ، ولأن الشك بالنسبة إلى المخاطبين ، أو الإبهام بالنسبة إليهم لا معنى له هنا ، وإنما المعنى الظاهر فيها كونها للتفصيل . وهذا التمثيل الثاني أتى كاشفا لحالهم بعد كشف الأول . وإنما قصد بذلك التفصيل والإسهاب بحال المنافق ، وشبهه في التمثيل الأول بمستوقد النار ، وإظهاره الإيمان بالإضاءة ، وانقطاع جدواه بذهاب النور . وشبه في الثاني دين الإسلام بالصيب وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق ، وما يصيبهم من الإفزاع والفتن من جهة المسلمين بالصواعق ، وكلا التمثيلين من التمثيلات المفرقة ، كما شرحناه . والأحسن أن يكون من التمثيلات المركبة دون المفرقة ، فلا تتكلف مقابلة شيء بشيء ، وقد تقدم الإشارة إلى ذلك عند الكلام على التمثيل الأول ، فوصف وقوع المنافقين في ضلالتهم وما خبطوا فيه من الحيرة والدهشة بما يكابد من طفئت ناره بعد إيقادها في ظلمة الليل ، وبحال من أخذته السماء في ليلة مظلمة مع رعد وبرق وخوف من الصواعق ، وإنما قدر كمثل ذوي صيب لعود الضمير في يجعلون . والتمثيل الثاني أبلغ لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأمر ، ولذلك أخر فصار ارتقاء من الأهون إلى الأغلظ . وقد رام بعض المفسرين ترتب أحوال المنافقين وموازنتها في المثل من الصيب والظلمات والرعد والبرق والصواعق ، فقال : مثل الله القرآن بالصيب لما فيه من الأشكال ، وعما هم بالظلمات والوعيد والزجر بالرعد والنور والحجج الباهرة التي تكاد أحيانا أن تبهرهم بالبرق وتخوفهم بجعل أصابعهم وفضح نفاقهم وتكاليف الشرع التي يكرهونها من الجهاد والزكاة ونحوها بالصواعق ، وهذا قول من ذهب إلى أنه من التمثيل المفرق الذي يقابل منه شيء شيئا من الممثل ، وستأتي بقية الأقوال في ذلك ، إن شاء الله - تعالى - .
وقرئ : أو كصايب ، وهو اسم فاعل من صاب يصوب وصيب ، أبلغ من صايب ، والكاف في موضع رفع لأنها معطوفة على ما موضعه رفع . والجملة من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذهب الله بنورهم ) إذا قلنا ليست جواب لما جملة اعتراض فصل بها بين المعطوف والمعطوف عليه ، وكذلك أيضا (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=18صم بكم عمي ) إذا قلنا إن ذلك من أوصاف المنافقين . فعلى هذين القولين تكون الجملتان جملتي اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه ، وقد منع ذلك
أبو علي ، ورد عليه بقول الشاعر :
لعمرك والخطوب مغيرات وفي طول المعاشرة التقالي
لقد باليت مظعن أم أوفى ولكن أم أوفى لا تبالي
ففصل بين القسم وجوابه بجملتي الاعتراض . من السماء متعلق بصيب فهو في موضع نصب ، ومن فيه لابتداء الغاية ، ويحتمل أن تكون في موضع الصفة فتعلق بمحذوف ، وتكون من إذ ذاك للتبعيض ، ويكون على حذف مضاف ، التقدير : أو كمطر صيب من أمطار السماء ، وأتى بالسماء معرفة إشارة إلى أن هذا الصيب نازل من آفاق السماء ، فهو مطبق عام . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وفيه أن السحاب من السماء ينحدر ، ومنها يأخذ ماءه ، لا كزعم من زعم أنه يأخذه من البحر ، ويؤيده قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43وينزل من السماء من جبال فيها من برد ) انتهى كلامه . وليس في الآيتين ما يدل على أنه لا يكون منشأ المطر من البحر ، إنما تدل الآيتان على
[ ص: 86 ] أن المطر ينزل من السماء ، ولا يظهر تناف بين أن يكون المطر ينزل من السماء ، وأن منشأه من البحر . والعرب تسمي السحاب بنات بحر ، يعني أنها تنشأ من البحار ، قال
طرفة :
لا تلمني إنها من نسوة رقد الصيف مقاليت نزر
كبنات البحر يمأدن كما أنبت الصيف عساليج الخضر
وقد أبدلوا الباء ميما فقالوا : بنات المحر ، كما قالوا : رأيته من كثب ومن كثم . وظلمات : مرتفع بالجار والمجرور على الفاعلية ؛ لأنه قد اعتمد إذا وقع صفة ، ويجوز أن تكون فيه في موضع الحال من النكرة المخصصة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19من السماء ) ، إما تخصيص العمل ، وإما تخصيص الصفة على ما قدمناه من الوجهين في إعراب من السماء ، وأجازوا أن يكون ظلمات مرفوعا بالابتداء ، وفيه في موضع الخبر . والجملة في موضع الصفة ، ولا حاجة إلى هذا لأنه إذا دار الأمر بين أن تكون الصفة من قبيل المفرد ، وبين أن تكون من قبيل الجمل ، كان الأولى جعلها من قبيل المفرد وجمع الظلمات ؛ لأنه حصلت أنواع من الظلمة . فإن كان الصيب هو المطر ، فظلماته ظلمة تكاثفه وانتساجه وتتابع قطره ، وظلمة ظلال غمامه مع ظلمة الليل . وإن كان الصيب هو السحاب ، فظلمة سجمته وظلمة تطبيقه مع ظلمة الليل . والضمير في فيه عائد على الصيب ، فإذا فسر بالمطر ، فمكان ذلك السحاب ، لكنه لما كان الرعد والبرق ملتبسين بالمطر جعلا فيه على طريق التجوز ، ولم يجمع الرعد والبرق ، وإن كان قد جمعت في لسان العرب ؛ لأن المراد بذلك المصدر كأنه قيل : وإرعاد وإبراق ، وإن أريد العينان فلأنهما لما كانا مصدرين في الأصل ، إذ يقال : رعدت السماء رعدا وبرقت برقا ، روعي حكم أصلهما وإن كان المعنى على الجمع ، كما قالوا : رجل خصم ، ونكرت ظلمات ورعد وبرق ؛ لأن المقصود ليس العموم ، إنما المقصود اشتمال الصيب على ظلمات ورعد وبرق ، والضمير في يجعلون عائد على المضاف المحذوف للعلم به ؛ لأنه إذا حذف فتارة يلتفت إليه حتى كأنه ملفوظ به فتعود الضمائر عليه كحاله مذكورا ، وتارة يطرح فيعود الضمير الذي قام مقامه . فمن الأول هذه الآية وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه ) ، التقدير : أو كذي ظلمات ، ولذلك عاد الضمير المنصوب عليه في قوله يغشاه . ومما اجتمع فيه الالتفات والإطراح قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=4وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون ) المعنى : من أهل قرية ، فقال : فجاءها ، فأطرح المحذوف وقال : أوهم فالتفت إلى المحذوف . والجملة من قوله : يجعلون لا موضع لها من الإعراب ؛ لأنها جواب سؤال مقدر ، كأنه قيل : فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد ؟ فقيل : يجعلون ، وقيل : الجملة لها موضع من الإعراب وهو الجر لأنها في موضع الصفة لذوي المحذوف ، كأنه قيل : جاعلين ، وأجاز بعضهم أن تكون في موضع نصب على الحال من الضمير الذي هو الهاء في فيه . والراجع على ذي الحال محذوف نابت الألف واللام عنه ، التقدير : من صواعقه . وأراد بالأصابع بعضها ؛ لأن الأصابع كلها لا تجعل في الأذن ، إنما تجعل فيها الأنملة ، لكن هذا من الاتساع ، وهو إطلاق كل على بعض ، ولأن هؤلاء لفرط ما يهولهم من إزعاج الصواعق كأنهم لا يكتفون بالأنملة ، بل لو أمكنهم السد بالأصابع كلها لفعلوا ، وعدل عن الاسم الخاص لما يوضع في الأذن إلى الاسم العام ، وهو الأصبع ، لما في ترك لفظ السبابة من حسن أدب القرآن ، وكون الكنايات فيه تكون بأحسن لفظ ، لذلك ما عدل عن لفظ السبابة إلى المسبحة والمهللة وغيرها من الألفاظ المستحسنة ، ولم تأت بلفظ المسبحة ونحوها لأنها ألفاظ مستحدثة ، لم يتعارفها الناس في ذلك العهد ، وإنما أحدثت بعد .
وقرأ
الحسن : من الصواقع ، وقد تقدم أنها لغة
تميم ، وأخبرنا أنها ليست من المقلوب ، والجعل هنا بمعنى الإلقاء والوضع كأنه قال : يضعون أصابعهم ، ومن تتعلق بقوله
[ ص: 87 ] يجعلون ، وهي سببية ، أي من أجل الصواعق وحذر الموت مفعول من أجله ، وشروط المفعول من أجله موجودة فيه ، إذ هو مصدر متحد بالعامل فاعلا وزمانا ، هكذا أعربوه ، وفيه نظر لأن قوله : من الصواعق هو في المعنى مفعول من أجله ، ولو كان معطوفا لجاز ، كقول الله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=265ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم ) ، وقول الراجز :
يركب كل عاقر جمهور مخافة وزعل المحبور
والهول من تهول الهبور
وقالوا أيضا : يجوز أن يكون مصدرا ، أي يحذرون حذر الموت ، وهو مضاف للمفعول . وقرأ
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك بن مزاحم nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى : حذار الموت ، وهو مصدر حاذر ، قالوا : وانتصابه على أنه مفعول له . الإحاطة هنا كناية عن كونه تعالى لا يفوتونه ، كما لا يفوت المحاط المحيط به ، فقيل : العلم ، وقيل : بالقدرة ، وقيل : بالإهلاك . وهذه الجملة اعتراضية لأنها دخلت بين هاتين الجملتين اللتين هما : يجعلون أصابعهم ، ويكاد البرق ، وهما من قصة واحدة . وقد تقدم لنا أن هذا التمثيل من التمثيلات المركبة ، وهو الذي تشبه فيه إحدى الجملتين بالأخرى في أمر من الأمور ، وإن لم يكن آحاد إحدى الجملتين شبيهة بآحاد الجملة الأخرى ، فيكون المقصود تشبيه حيرة المنافقين في الدين والدنيا بحيرة من انطفأت ناره بعد إيقادها ، وبحيرة من أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد وبرق . وهذا الذي سبق أنه المختار . وقالوا أيضا : يكون من التشبيه المفرق ، وهو أن يكون المثل مركبا من أمور ، والممثل يكون مركبا أيضا ، وكل واحد من المثل مشبه لكل واحد من الممثل . وقد تقدم قولان من جعل هذا المثل من التمثيل المفرق . والثالث : أن الصيب مثل للإسلام ، والظلمات مثل لما في قلوبهم من النفاق ، والرعد والبرق مثلان لما يخوفون به . والرابع : البرق مثل للإسلام ، والظلمات مثل للفتنة والبلاء . والخامس : الصيب الغيث الذي فيه الحياة مثل للإسلام ، والظلمات مثل لإسلام المنافقين وما فيه من إبطان الكفر ، والرعد مثل لما في الإسلام من حقن الدماء والاختلاط بالمسلمين في المناكحة والموارثة ، والبرق وما فيه من الصواعق مثل لما في الإسلام من الزجر بالعقاب في العاجل والآجل ، ويروى معنى هذا عن
الحسن . والسادس : أن الصيب والظلمات والرعد والبرق والصواعق كانت حقيقة أصابت بعض
اليهود ، فضرب الله مثلا بقصتهم لبقيتهم ، وروي في ذلك حديث عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس . السابع : أنه مثل ضربه الله للخير والشر الذي أصاب المنافقين ، فكأنهم كانوا إذا كثرت أموالهم وولدهم الغلمان ، أو أصابوا غنيمة أو فتحا قالوا : دين
محمد صدق ، فاستقاموا عليه ، وإذا هلكت أموالهم وأولادهم وأصابهم البلاء قالوا : هذا من أجل دين
محمد ، فارتدوا كفارا . الثامن : أنه مثل الدنيا وما فيها من الشدة والرخاء والنعمة والبلاء بالصيب الذي يجمع نفعا بإحيائه الأرض وإنباته النبات وإحياء كل دابة والانتفاع به للتطهير وغيره من المنافع ، وضرا بما يحصل به من الإغراق والإشراق ، وما تقدمه من الظلمات والصواعق بالإرعاد والإبراق ، وأن المنافق يدفع آجلا بطلب عاجل النفع ، فيبيع آخرته وما أعد الله له فيها من النعيم بالدنيا التي صفوها كدر ومآله بعد إلى سقر . التاسع : أنه مثل للقيامة لما يخافونه من وعيد الآخرة لشكهم في دينهم وما فيه من البرق ، بما في إظهار الإسلام من حقن دمائهم ، ومثل ما فيه من الصواعق بما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل . العاشر : ضرب الصيب مثل لما أظهر المنافقون من الإيمان والظلمات بضلالهم وكفرهم الذي أبطنوه ، وما فيه من البرق بما علاهم من خير الإسلام وعلتهم من بركته ، واهتدائهم به إلى منافعهم الدنيوية ، وأمنهم على أنفسهم وأموالهم وما فيه من الصواعق ، بما اقتضاه نفاقهم وما هم صائرون إليه من الهلاك الدنيوي والأخروي . وقد ذكروا أيضا أقوالا كلها ترجع إلى
[ ص: 88 ] التمثيل التركيبي ، الأول : شبه حال المنافقين بالذين اجتمعت لهم ظلمة السحاب مع هذه الأمور ، فكان ذلك أشد لحيرتهم ، إذ لا يرون طريقا ، ولا من أضاء له البرق ثم ذهب كانت الظلمة عنده أشد منها لو لم يكن فيها برق . الثاني : أن المطر وإن كان نافعا إلا أنه لما ظهر في هذه الصورة صار النفع به زائلا ، كذلك إظهار الإيمان نافع للمنافق لو وافقه الباطن ، وأما مع عدم الموافقة فهو ضرر . الثالث : أنه مثل حال المنافقين في ظنهم أن ما أظهروه نافعهم وليس بنافعهم بمن نزلت به هذه الأمور مع الصواعق ، فإنه يظن أن المخلص له منها جعل أصابعه في آذانه وهو لا ينجيه ذلك مما يريد الله به من موت أو غيره . الرابع : أنه مثل لتأخر المنافق عن الجهاد فرارا من الموت بمن أراد دفع هذه الأمور بجعل أصابعهم في آذانهم . الخامس : أنه مثل لعدم خلاص المنافق من عذاب الله بالجاعلين أصابعهم في آذانهم ، فإنهم وإن تخلصوا من الموت في تلك الساعة ، فإن الموت من ورائهم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=28973أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ ) أَوْ لَهَا خَمْسَةُ مَعَانٍ : الشَّكُّ ، وَالْإِبْهَامُ ، وَالتَّخْيِيرُ ، وَالْإِبَاحَةُ ، وَالتَّفْصِيلُ . وَزَادَ الْكُوفِيُّونَ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَبِمَعْنَى بَلْ ، وَكَانَ شَيْخُنَا
أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الصَّائِغِ يَقُولُ : أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوِ الْأَشْيَاءِ . وَقَالَ
السُّهَيْلِيُّ : أَوْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ ، وَلِذَلِكَ وَقَعَتْ فِي الْخَبَرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الشَّكَّ تَرَدُّدٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ ، لَا أَنَّهَا وُضِعَتْ لِلشَّكِّ ، فَقَدْ تَكُونُ فِي الْخَبَرِ ، وَلَا شَكَّ إِذَا أُبْهِمَتْ عَلَى الْمُخَاطَبِ . وَأَمَّا الَّتِي لِلتَّخْيِيرِ فَعَلَى أَصْلِهَا لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ إِنَّمَا يُرِيدُ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ ، وَأَمَّا الَّتِي زَعَمُوا أَنَّهَا لِلْإِبَاحَةِ فَلَمْ تُؤْخَذِ الْإِبَاحَةُ مِنْ لَفْظِ ( أَوْ ) وَلَا مِنْ مَعْنَاهَا ، إِنَّمَا أُخِذَتْ مِنْ صِيغَةِ الْأَمْرِ مَعَ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ لِغَلَبَةِ الْعَادَةِ فِي أَنَّ الْمُشْتَغِلَ بِالْفِعْلِ الْوَاحِدِ لَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْمُبَاحَيْنِ لَمْ يَعْصِ ، عِلْمًا بِأَنَّ أَوْ لَيْسَتْ مُعْتَمَدَةً هُنَا . الصَّيِّبُ : الْمَطَرُ ، يُقَالُ : صَابَ يَصُوبُ فَهُوَ صَيِّبٌ إِذَا نَزَلَ وَالسَّحَابُ أَيْضًا ، قَالَ الشَّاعِرُ :
حَتَّى عَفَاهَا صَيِّبُ وَدْقِهِ دَانِي النَّوَاحِي مُسْبِلُ هَاطِلُ
وَقَالَ
الشَّمَّاخُ :
وَأَشْحَمَ دَانٍ صَادِقَ الرَّعْدِ صَيِّبُ
وَوَزْنُ صَيِّبٍ فَيْعِلٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ ، وَهُوَ مِنَ الْأَوْزَانِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْمُعْتَلِّ الْعَيْنِ ، إِلَّا مَا شَذَّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِمْ :
صَيْقِلٌ بِكَسْرِ الْقَافِ عَلَمٌ لِامْرَأَةٍ ، وَلَيْسَ وَزْنُهُ فَعِيلًا ، خِلَافًا
لِلْفَرَّاءِ . وَقَدْ نُسِبَ هَذَا الْمَذْهَبُ لِلْكُوفِيِّينَ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ يُتَكَلَّمُ عَلَيْهَا فِي عِلْمِ التَّصْرِيفِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَخْفِيفِ مِثْلِ هَذَا . السَّمَاءُ : كُلُّ مَا عَلَاكَ مِنْ سَقْفٍ وَنَحْوِهِ ، وَالسَّمَاءُ الْمَعْرُوفَةُ ذَاتُ الْبُرُوجِ ، وَأَصْلُهَا الْوَاوُ لِأَنَّهَا مِنَ السُّمُوِّ ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُفْرَدِ تَاءُ تَأْنِيثٍ . قَالُوا : سَمَاوَةٌ ، وَتَصِحُّ الْوَاوُ إِذْ ذَاكَ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ عَلَيْهَا الْكَلِمَةُ ، قَالَ
الْعَجَّاجُ :
طَيُّ اللَّيَالِي زُلَفًا فَزُلَفَا سَمَاوَةَ الْهِلَالِ حَتَّى احْقَوْقَفَا
وَالسَّمَاءُ مُؤَنَّثٌ ، وَقَدْ يُذَكَّرُ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
فَلَوْ رَفَعَ السَّمَاءُ إِلَيْهِ قَوْمًا لَحِقْنَا بِالسَّمَاءِ مَعَ السَّحَابِ
وَالْجِنْسُ الَّذِي مُيِّزَ وَاحِدُهُ بِتَاءٍ ، يُؤَنِّثُهُ الْحِجَازِيُّونَ ، وَيُذَكِّرُهُ التَّمِيمِيُّونَ
وَأَهْلُ نَجْدٍ ، وَجَمْعُهُمْ لَهَا عَلَى سَمَاوَاتٍ ، وَعَلَى أَسْمِيَةٍ ، وَعَلَى سَمَاءَاتٍ . قَالَ : فَوْقَ سَبْعِ سَمَائِنَا شَاذٌّ لِأَنَّهُ ، أَوَّلًا : اسْمُ جِنْسٍ فَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يُجْمَعَ ، وَثَانِيًا : فَجَمْعُهُ بِالْأَلِفِ وَالتَّاءِ لَيْسَ فِيهِ شَرْطُ مَا يُجْمَعُ بِهِمَا قِيَاسًا ، وَجَمْعُهُ عَلَى أَفْعِلَةٍ لَيْسَ مِمَّا يَنْقَاسُ فِي الْمُؤَنَّثِ ، وَعَلَى فَعَائِلَ لَا يَنْقَاسُ فِي فِعَالٍ .
الرَّعْدُ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَمُجَاهِدٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16128وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَعِكْرِمَةُ : الرَّعْدُ مَلَكٌ يَزْجُرُ السَّحَابَ بِهَذَا الصَّوْتِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : كُلَّمَا خَالَفَتْ سَحَابَةٌ صَاحَ بِهَا ، وَالرَّعْدُ اسْمُهُ . وَقَالَ
عَلِيٌّ وَعَطَاءٌ nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٌ وَالْخَلِيلُ : صَوْتُ مَلَكٍ يَزْجُرُ السَّحَابَ . وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : أَيْضًا صَوْتُ مَلِكٍ يَسْبَحُ ، وَقِيلَ : رِيحٌ تَخْتَنِقُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ . وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ رِيحٌ تَخْتَنِقُ بَيْنَ السَّحَابِ فَتُصَوِّتُ ذَلِكَ الصَّوْتَ ، وَقِيلَ : اصْطِكَاكُ الْأَجْرَامِ السَّحَابِيَّةِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَرْبَابِ الْهَيْئَةِ . وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ : أَنَّهُ اسْمُ الصَّوْتِ الْمَسْمُوعِ ، وَقَالَهُ
عَلِيٌّ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ مَلَكٌ ، وَالْمَسْمُوعُ صَوْتُهُ يُسَبِّحُ وَيَزْجُرُ السَّحَابَ ، وَقِيلَ : الرَّعْدُ صَوْتُ تَحْرِيكِ أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِزَجْرِ السَّحَابِ . وَتَلَخَّصَ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ ، الثَّانِي : أَنَّهُ صَوتٌ . قَالُوا : وَسُمِّيَ هَذَا الصَّوْتُ رَعْدًا لِأَنَّهُ يُرْعِدُ سَامِعَهُ ، وَمِنْهُ رَعَدَتِ الْفَرَائِصُ ، أَيْ حُرِّكَتْ وَهُزَّتْ كَمَا
[ ص: 84 ] تَهُزُّهُ الرِّعْدَةُ . وَاتَّسَعَ فِيهِ فَقِيلَ : أَرْعَدَ ، أَيْ هَدَّدَ وَأَوْعَدَ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ عَنِ الْإِبْعَادِ . وَالتَّهَدُّدِ : ارْتِعَادُ الْمُوعَدِ وَالْمُهَدَّدِ .
الْبَرْقُ : مِخْرَافٌ حَدِيدٌ بِيَدِ الْمَلَكِ يَسُوقُ بِهِ السَّحَابَ ، قَالَهُ
عَلِيٌّ ، أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ بِذَلِكَ الْمِخْرَافِ . وَرُوِيَ عَنْ
عَلِيٍّ : أَوْ سَوْطُ نُورٍ بِيَدِ الْمَلَكِ يَزْجُرُهَا بِهِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، أَوْ ضَرْبُ ذَلِكَ السَّوْطِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَعَزَاهُ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ . وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ
مُجَاهِدٍ : أَوْ مَلَكٌ يَتَرَاءَى . وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَوِ الْمَاءُ ، قَالَهُ قَوْمٌ مِنْهُمْ
أَبُو الْجَلَد جِيلَانُ بْنُ فَرْوَةَ الْبَصْرِيُّ ، أَوْ تَلَأْلُؤُ الْمَاءِ ، حَكَاهُ
ابْنُ فَارِسٍ ، أَوْ نَارٌ تَنْقَدِحُ مِنِ اصْطِكَاكِ أَجْرَامِ السَّحَابِ ، قَالَهُ بَعْضُهُمْ . وَالَّذِي يُفْهَمُ مِنَ اللُّغَةِ : أَنَّ الرَّعْدَ عِبَارَةٌ عَنْ هَذَا الصَّوْتِ الْمُزْعِجِ الْمَسْمُوعِ مِنْ جِهَةِ السَّمَاءِ ، وَأَنَّ الْبَرْقَ هُوَ الْجِرْمُ اللَّطِيفُ النُّورَانِيُّ الَّذِي يُشَاهَدُ وَلَا يَثْبُتُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ) جَعَلَ : يَكُونُ بِمَعْنَى خَلَقَ أَوْ بِمَعْنَى أَلْقَى فَيَتَعَدَّى لِوَاحِدٍ ، وَبِمَعْنَى صَيَّرَ أَوْ سَمَّى فَيَتَعَدَّى لِاثْنَيْنِ ، وَلِلشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ فَتَكُونُ مِنْ أَفْعَالِ الْمُقَارَبَةِ ، تَدْخُلُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِهَا . الْأُصْبُعُ : مَدْلُولُهَا مَفْهُومٌ ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ ، وَذَكَرُوا فِيهَا تِسْعَ لُغَاتٍ وَهِيَ : الْفَتْحُ لِلْهَمْزَةِ ، وَضَمُّهَا ، وَكَسْرُهَا مَعَ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ لِلْبَاءِ . وَحَكَوْا عَاشِرَةً وَهِيَ : أُصْبُوعٌ ، بِضَمِّهَا ، وَبَعْدَ الْبَاءِ وَاوٌ . وَجَمِيعُ أَسْمَاءِ الْأَصَابِعِ مُؤَنَّثَةٌ إِلَّا الْإِبْهَامَ ، فَإِنَّ بَعْضَ
بَنِي أَسَدٍ يَقُولُونَ : هَذَا إِبْهَامٌ ، وَالتَّأْنِيثُ أَجْوَدُ ، وَعَلَيْهِ الْعَرَبُ غَيْرَ مَنْ ذُكِرَ . الْأُذُنُ : مَدْلُولُهَا مَفْهُومٌ ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ ، كَذَلِكَ تَلْحَقُهَا التَّاءُ فِي التَّصْغِيرِ قَالُوا : أُذَيْنَةٌ ، وَلَا تَلْحَقُ فِي الْعَدَدِ ، قَالُوا : ثَلَاثُ آذَانٍ ، قَالَ
أَبُو ثَرْوَانَ فِي أُحْجِيَّةٍ لَهُ :
مَا ذُو ثَلَاثِ آذَانٍ يَسْبِقُ الْخَيْلَ بِالرَّدَيَانِ
يُرِيدُ السَّهْمَ وَآذَانَهُ وَقُذَذَهُ . الصَّاعِقَةُ : الْوَقْعَةُ الشَّدِيدَةُ مِنْ صَوْتِ الرَّعْدِ مَعَهَا قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ تَسْقُطُ مَعَ صَوْتِ الرَّعْدِ ، قَالُوا : تَنْقَدِحُ مِنَ السَّحَابِ إِذَا اصْطَكَّتْ أَجْرَامُهُ ، وَهِيَ نَارٌ لَطِيفَةٌ حَدِيدَةٌ لَا تَمُرُّ بِشَيْءٍ إِلَّا أَتَتْ عَلَيْهِ ، وَهِيَ مَعَ حِدَّتِهَا سَرِيعَةُ الْخُمُودِ ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ . قَالَ
لَبِيدٌ يَرْثِي أَخَاهُ
أَرْبَدَ ، وَكَانَ مِمَّنْ أَحْرَقَتْهُ الصَّاعِقَةُ :
فَجَعَنِي الْبَرْقُ وَالصَّوَاعِقُ بِالَفَا رِسِ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ النَّجِدِ
وَيُشَبِّهُ بِالْمَقْتُولِ بِهَا مَنْ مَاتَ سَرِيعًا ، قَالَ
عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدَةَ :
كَأَنَّهُمْ صَابَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ صَوَاعِقُهَا لِطَيْرِهِنَّ دَبِيبُ
وَرَوَى
الْخَلِيلُ عَنْ قَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ : السَّاعِقَةُ بِالسِّينِ ، وَقَالَ
النَّقَّاشُ : صَاعِقَةٌ وَصَعْقَةٌ وَصَاقِعَةٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ . قَالَ
أَبُو عَمْرٍو : الصَّاقِعَةُ لُغَةُ
بَنِي تَمِيمٍ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْمُجْرِمِينَ أَصَابَهُمْ صَوَاقِعَ لَا بَلْ هُنَّ فَوْقَ الصَّوَاقِعِ
وَقَالَ
أَبُو النَّجْمِ :
يُحِلُّونَ بِالْمَقْصُورَةِ الْقَوَاطِعَ تَشَقُّقُ الْبُرُوقِ بِالصَّوَاقِعِ
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لُغَةً ، وَقَدْ حَكَوْا تَصْرِيفَ الْكَلِمَةِ عَلَيْهِ ، لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْمَقْلُوبِ خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ ، وَنُقِلَ الْقَلْبُ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ . وَيُقَالُ : صَعَقَتْهُ وَأَصْعَقَتْهُ الصَّاعِقَةُ ، إِذَا أَهْلَكَتْهُ ، فَصُعِقَ : أَيْ هَلَكَ . وَالصَّاعِقَةُ أَيْضًا الْعَذَابُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14120ابْنُ عَرَفَةَ ، وَالصَّاعِقَةُ وَالصَّاقِعَةُ : إِمَّا أَنْ تَكُونَ صِفَةً لِصَوْتِ الرَّعْدِ أَوْ لِلرَّعْدِ ، فَتَكُونُ التَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ نَحْوَ : رَاوِيَةٌ ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَصْدَرًا ، كَمَا قَالُوا فِي الْكَاذِبَةِ . الْحَذَرُ وَالْفَزَعُ وَالْفَرَقُ وَالْجَزَعُ وَالْخَوْفُ : نَظَائِرُ الْمَوْتِ ، عَرْضٌ يَعْقُبُ الْحَيَاةَ . وَقِيلَ : فَسَادُ بِنْيَةِ الْحَيَوَانِ ، وَقِيلَ : زَوَالُ الْحَيَاةِ . الْإِحَاطَةُ : حَصْرُ الشَّيْءِ بِالْمَنْعِ لَهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ، وَالثُّلَاثِيُّ مِنْهُ مُتَعَدٍّ ، قَالُوا : حَاطَهُ ، يُحُوطُهُ ، حَوْطًا .
أَوْ كَصَيِّبٍ : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ) ، وَحَذْفُ مُضَافَانِ ، إِذِ التَّقْدِيرُ : أَوْ كَمَثَلِ ذَوِي صَيِّبٍ ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=19كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ) ، أَيْ كَدَوَرَانِ عَيْنِ الَّذِي
[ ص: 85 ] يُغْشَى عَلَيْهِ . وَأَوْ هُنَا لِلتَّفْصِيلِ ، وَكَانَ مَنْ نَظَرَ فِي حَالِهِمْ مِنْهُمْ مَنْ يُشَبِّهُهُ بِحَالِ الْمُسْتَوْقِدِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشَبِّهُهُ بِحَالِ ذَوِي صَيِّبٍ ، وَلَا ضَرُورَةً تَدْعُو إِلَى كَوْنِ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ ، وَأَنَّ الْمَعْنَى أَيُّهُمَا شِئْتَ مَثِّلْهُمْ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ ذَهَبَ إِلَيْهِ ، وَلَا إِلَى أَنَّ أَوْ لِلْإِبَاحَةِ ، وَلَا إِلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ هُنَا . وَلَا إِلَى كَوْنِ أَوْ لِلشَّكِّ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُخَاطَبِينَ ، إِذْ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَلَا إِلَى كَوْنِهَا بِمَعْنَى بَلْ ، وَلَا إِلَى كَوْنِهَا لِلْإِبْهَامِ ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ وَالْإِبَاحَةَ إِنَّمَا يَكُونَانِ فِي الْأَمْرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ . وَهَذِهِ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ صِرْفٌ . وَلِأَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ ، أَوْ بِمَعْنَى بَلْ ، لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مُثْبِتُ ذَلِكَ مُؤَوَّلٌ ، وَلِأَنَّ الشَّكَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ ، أَوِ الْإِبْهَامَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ لَا مَعْنًى لَهُ هُنَا ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى الظَّاهِرُ فِيهَا كَوْنُهَا لِلتَّفْصِيلِ . وَهَذَا التَّمْثِيلُ الثَّانِي أَتَى كَاشِفًا لِحَالِهِمْ بَعْدَ كَشْفِ الْأَوَّلِ . وَإِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ التَّفْصِيلَ وَالْإِسْهَابَ بِحَالِ الْمُنَافِقِ ، وَشَبَّهَهَ فِي التَّمْثِيلِ الْأَوَّلِ بِمُسْتَوْقِدِ النَّارِ ، وَإِظْهَارُهُ الْإِيمَانُ بِالْإِضَاءَةِ ، وَانْقِطَاعُ جَدْوَاهُ بِذَهَابِ النُّورِ . وَشَبَّهَ فِي الثَّانِي دِينَ الْإِسْلَامِ بِالصَّيِّبِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ بِالرَّعْدِ وَالْبَرْقِ ، وَمَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْإِفْزَاعِ وَالْفِتَنِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّوَاعِقِ ، وَكِلَا التَّمْثِيلَيْنِ مِنَ التَّمْثِيلَاتِ الْمُفَرَّقَةُ ، كَمَا شَرَحْنَاهُ . وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّمْثِيلَاتِ الْمُرَكَّبَةِ دُونَ الْمُفَرَّقَةِ ، فَلَا تَتَكَلَّفُ مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى التَّمْثِيلِ الْأَوَّلِ ، فَوَصَفَ وُقُوعَ الْمُنَافِقِينَ فِي ضَلَالَتِهِمْ وَمَا خُبِّطُوا فِيهِ مِنَ الْحَيْرَةِ وَالدَّهْشَةِ بِمَا يُكَابِدُ مَنْ طُفِئَتْ نَارُهُ بَعْدَ إِيقَادِهَا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ ، وَبِحَالِ مَنْ أَخَذَتْهُ السَّمَاءُ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مَعَ رَعْدٍ وَبَرْقٍ وَخَوْفٍ مِنَ الصَّوَاعِقِ ، وَإِنَّمَا قُدِّرَ كَمَثَلِ ذَوِي صَيِّبٍ لِعَوْدِ الضَّمِيرِ فِي يَجْعَلُونَ . وَالتَّمْثِيلُ الثَّانِي أَبْلَغُ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى فَرْطِ الْحَيْرَةِ وَشِدَّةِ الْأَمْرِ ، وَلِذَلِكَ أَخَّرَ فَصَارَ ارْتِقَاءً مِنَ الْأَهْوَنِ إِلَى الْأَغْلَظِ . وَقَدْ رَامَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ تَرَتُّبَ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَمُوَازَنَتَهَا فِي الْمَثَلِ مِنَ الصَّيِّبِ وَالظُّلُمَاتِ وَالرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَالصَّوَاعِقِ ، فَقَالَ : مَثَّلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ بِالصَّيِّبِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْأَشْكَالِ ، وَعَمَّا هُمْ بِالظُّلُمَاتِ وَالْوَعِيدِ وَالزَّجْرِ بِالرَّعْدِ وَالنُّورِ وَالْحُجَجِ الْبَاهِرَةِ الَّتِي تَكَادُ أَحْيَانًا أَنْ تُبْهِرَهُمْ بِالْبَرْقِ وَتُخَوِّفَهُمْ بِجَعْلِ أَصَابِعِهِمْ وَفَضْحِ نِفَاقِهِمْ وَتَكَالِيفِ الشَّرْعِ الَّتِي يَكْرَهُونَهَا مِنَ الْجِهَادِ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا بِالصَّوَاعِقِ ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ مِنَ التَّمْثِيلِ الْمُفَرَّقِ الَّذِي يُقَابِلُ مِنْهُ شَيْءٌ شَيْئًا مِنَ الْمُمَثَّلِ ، وَسَتَأْتِي بَقِيَّةُ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - .
وَقُرِئَ : أَوْ كَصَايِبٍ ، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مَنْ صَابَ يَصُوبُ وَصَيِّبٌ ، أَبْلَغُ مِنْ صَايِبٍ ، وَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا مَوْضِعُهُ رَفْعٌ . وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ) إِذَا قُلْنَا لَيْسَتْ جَوَابٌ لِمَا جُمْلَةُ اعْتِرَاضٍ فُصِلَ بِهَا بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=18صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) إِذَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِ الْمُنَافِقِينَ . فَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ تَكُونُ الْجُمْلَتَانِ جُمْلَتَيِ اعْتِرَاضٍ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ مَنَعَ ذَلِكَ
أَبُو عَلِيٍّ ، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ :
لَعَمْرُكَ وَالْخُطُوبُ مُغِيرَاتٌ وَفِي طُولِ الْمُعَاشَرَةِ التَّقَالِي
لَقَدْ بَالَيْتُ مَظْعَنَ أُمِّ أَوْفَى وَلَكِنْ أُمُّ أَوْفَى لَا تُبَالِي
فَفَصْلَ بَيْنَ الْقَسَمِ وَجَوَابِهِ بِجُمْلَتَيِ الِاعْتِرَاضِ . مِنَ السَّمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِصَيِّبٍ فَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ، وَمِنْ فِيهِ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ فَتُعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ ، وَتَكُونَ مِنْ إِذْ ذَاكَ لِلتَّبْعِيضِ ، وَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ، التَّقْدِيرُ : أَوْ كَمَطَرٍ صَيِّبٍ مِنْ أَمْطَارِ السَّمَاءِ ، وَأَتَى بِالسَّمَاءِ مَعْرِفَةً إِشَارَةً إِلَى أَنَّ هَذَا الصَّيِّبَ نَازِلٌ مِنْ آفَاقِ السَّمَاءِ ، فَهُوَ مُطَبَّقٌ عَامٌّ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَفِيهِ أَنَّ السَّحَابَ مِنَ السَّمَاءِ يَنْحَدِرُ ، وَمِنْهَا يَأْخُذُ مَاءَهُ ، لَا كَزَعْمِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبَحْرِ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ ) انْتَهَى كَلَامُهُ . وَلَيْسَ فِي الْآيَتَيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَنْشَأَ الْمَطَرِ مِنَ الْبَحْرِ ، إِنَّمَا تَدُلُّ الْآيَتَانِ عَلَى
[ ص: 86 ] أَنَّ الْمَطَرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَا يَظْهَرُ تَنَافٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَطَرُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ ، وَأَنَّ مَنْشَأَهُ مِنَ الْبَحْرِ . وَالْعَرَبُ تُسَمِّي السَّحَابَ بَنَاتُ بَحْرٍ ، يَعْنِي أَنَّهَا تَنْشَأُ مِنَ الْبِحَارِ ، قَالَ
طَرَفَةُ :
لَا تَلُمْنِي إِنَّهَا مِنْ نِسْوَةٍ رُقَّدِ الصَّيْفِ مَقَالِيتٍ نُزَرْ
كَبَنَاتِ الْبَحْرِ يَمْأَدَنَّ كَمَا أَنْبَتَ الصَّيْفُ عَسَالِيجَ الْخُضَرْ
وَقَدْ أَبْدَلُوا الْبَاءَ مِيمًا فَقَالُوا : بَنَاتُ الْمَحْرِ ، كَمَا قَالُوا : رَأَيْتُهُ مِنْ كَثَبٍ وَمِنْ كَثَمٍ . وَظُلُمَاتٌ : مُرْتَفِعٌ بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدِ اعْتَمَدَ إِذَا وَقَعَ صِفَةً ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ النَّكِرَةِ الْمُخَصَّصَةِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19مِنَ السَّمَاءِ ) ، إِمَّا تَخْصِيصُ الْعَمَلِ ، وَإِمَّا تَخْصِيصُ الصِّفَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ فِي إِعْرَابِ مِنَ السَّمَاءِ ، وَأَجَازُوا أَنْ يَكُونَ ظُلُمَاتٌ مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ ، وَفِيهِ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ . وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا لِأَنَّهُ إِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ مِنْ قَبِيلِ الْمُفْرَدِ ، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْجُمَلِ ، كَانَ الْأَوْلَى جَعْلَهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُفْرَدِ وَجَمْعَ الظُّلُمَاتِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَتْ أَنْوَاعٌ مِنَ الظُّلْمَةِ . فَإِنْ كَانَ الصَّيِّبُ هُوَ الْمَطَرُ ، فَظُلُمَاتُهُ ظُلْمَةُ تَكَاثُفِهِ وَانْتِسَاجِهِ وَتَتَابُعِ قَطْرِهِ ، وَظُلْمَةُ ظِلَالِ غَمَامِهِ مَعَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ . وَإِنْ كَانَ الصَّيِّبُ هُوَ السَّحَابُ ، فَظُلْمَةُ سَجْمَتِهِ وَظُلْمَةُ تَطْبِيقِهِ مَعَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ . وَالضَّمِيرُ فِي فِيهِ عَائِدٌ عَلَى الصَّيِّبِ ، فَإِذَا فُسِّرَ بِالْمَطَرِ ، فَمَكَانُ ذَلِكَ السَّحَابُ ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ الرَّعْدُ وَالْبَرْقُ مُلْتَبِسَيْنِ بِالْمَطَرِ جُعِلَا فِيهِ عَلَى طَرِيقِ التَّجَوُّزِ ، وَلَمْ يُجْمَعِ الرَّعْدُ وَالْبَرْقُ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جُمِعَتْ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْمَصْدَرُ كَأَنَّهُ قِيلَ : وَإِرْعَادٌ وَإِبْرَاقٌ ، وَإِنْ أُرِيدَ الْعَيْنَانِ فَلِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مَصْدَرَيْنِ فِي الْأَصْلِ ، إِذْ يُقَالُ : رَعَدَتِ السَّمَاءُ رَعْدًا وَبَرَقَتْ بَرْقًا ، رُوعِيَ حُكْمُ أَصْلِهِمَا وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى الْجَمْعِ ، كَمَا قَالُوا : رَجُلٌ خَصْمٌ ، وَنُكِّرَتْ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ الْعُمُومَ ، إِنَّمَا الْمَقْصُودُ اشْتِمَالُ الصَّيِّبِ عَلَى ظُلُمَاتٍ وَرَعْدٍ وَبَرْقٍ ، وَالضَّمِيرُ فِي يَجْعَلُونَ عَائِدٌ عَلَى الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ لِلْعِلْمِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا حُذِفَ فَتَارَةً يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ مَلْفُوظٌ بِهِ فَتَعُودُ الضَّمَائِرُ عَلَيْهِ كَحَالِهِ مَذْكُورًا ، وَتَارَةً يُطْرَحُ فَيَعُودُ الضَّمِيرُ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ . فَمِنَ الْأَوَّلِ هَذِهِ الْآيَةُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ ) ، التَّقْدِيرُ : أَوْ كَذِي ظُلُمَاتٍ ، وَلِذَلِكَ عَادَ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ يَغْشَاهُ . وَمِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ الِالْتِفَاتُ وَالْإِطْرَاحُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=4وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ) الْمَعْنَى : مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ ، فَقَالَ : فَجَاءَهَا ، فَأَطْرَحَ الْمَحْذُوفَ وَقَالَ : أُوهِمَ فَالْتَفَتَ إِلَى الْمَحْذُوفِ . وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ : يَجْعَلُونَ لَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ ؛ لِأَنَّهَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : فَكَيْفَ حَالُهُمْ مَعَ مَثَلِ ذَلِكَ الرَّعْدِ ؟ فَقِيلَ : يَجْعَلُونَ ، وَقِيلَ : الْجُمْلَةُ لَهَا مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ وَهُوَ الْجَرُّ لِأَنَّهَا فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِذَوِي الْمَحْذُوفِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : جَاعِلِينَ ، وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ الْهَاءُ فِي فِيهِ . وَالرَّاجِعُ عَلَى ذِي الْحَالِ مَحْذُوفٌ نَابَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ عَنْهُ ، التَّقْدِيرُ : مِنْ صَوَاعِقِهِ . وَأَرَادَ بِالْأَصَابِعِ بَعْضَهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ كُلَّهَا لَا تُجْعَلُ فِي الْأُذُنِ ، إِنَّمَا تُجْعَلُ فِيهَا الْأُنْمُلَةُ ، لَكِنَّ هَذَا مِنَ الِاتِّسَاعِ ، وَهُوَ إِطْلَاقُ كُلٍّ عَلَى بَعْضٍ ، وَلِأَنَّ هَؤُلَاءِ لِفَرْطِ مَا يَهُولُهُمْ مِنْ إِزْعَاجِ الصَّوَاعِقِ كَأَنَّهُمْ لَا يَكْتَفُونَ بِالْأُنْمُلَةِ ، بَلْ لَوْ أَمْكَنَهُمُ السَّدُّ بِالْأَصَابِعِ كُلِّهَا لَفَعَلُوا ، وَعُدِلَ عَنِ الِاسْمِ الْخَاصِّ لِمَا يُوضَعُ فِي الْأُذُنِ إِلَى الِاسْمِ الْعَامِّ ، وَهُوَ الْأُصْبُعُ ، لِمَا فِي تَرْكِ لَفْظِ السَّبَّابَةِ مِنْ حُسْنِ أَدَبِ الْقُرْآنِ ، وَكَوْنِ الْكِنَايَاتِ فِيهِ تَكُونُ بِأَحْسَنَ لَفْظٍ ، لِذَلِكَ مَا عُدِلَ عَنْ لَفْظِ السَّبَّابَةِ إِلَى الْمِسْبَحَةِ وَالْمُهَلِّلَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَحْسَنَةِ ، وَلَمْ تَأْتِ بِلَفْظِ الْمِسْبَحَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهَا أَلْفَاظٌ مُسْتَحْدَثَةٌ ، لَمْ يَتَعَارَفْهَا النَّاسُ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ ، وَإِنَّمَا أُحْدِثَتْ بَعْدُ .
وَقَرَأَ
الْحَسَنُ : مِنَ الصَّوَاقِعِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لُغَةُ
تَمِيمٍ ، وَأَخْبَرْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْمَقْلُوبِ ، وَالْجَعْلُ هُنَا بِمَعْنَى الْإِلْقَاءِ وَالْوَضْعِ كَأَنَّهُ قَالَ : يَضَعُونَ أَصَابِعَهُمْ ، وَمَنْ تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ
[ ص: 87 ] يَجْعَلُونَ ، وَهِيَ سَبَبِيَّةٌ ، أَيْ مِنْ أَجْلِ الصَّوَاعِقِ وَحَذَرَ الْمَوْتِ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ ، وَشُرُوطُ الْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ مَوْجُودَةٌ فِيهِ ، إِذْ هُوَ مَصْدَرٌ مُتَّحِدٌ بِالْعَامِلِ فَاعِلًا وَزَمَانًا ، هَكَذَا أَعْرَبُوهُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ : مِنَ الصَّوَاعِقِ هُوَ فِي الْمَعْنَى مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ ، وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا لَجَازَ ، كَقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=265ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) ، وَقَوْلِ الرَّاجِزِ :
يَرْكَبُ كُلَّ عَاقِرٍ جُمْهُورِ مَخَافَةً وَزَعَلَ الْمَحْبُورِ
وَالْهَوْلَ مِنْ تَهَوُّلِ الْهُبُورِ
وَقَالُوا أَيْضًا : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا ، أَيْ يَحْذَرُونَ حَذَرَ الْمَوْتِ ، وَهُوَ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ . وَقَرَأَ
قَتَادَةُ nindex.php?page=showalam&ids=14676وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=12526وَابْنُ أَبِي لَيْلَى : حَذَارَ الْمَوْتِ ، وَهُوَ مَصْدَرُ حَاذَرَ ، قَالُوا : وَانْتِصَابُهُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ . الْإِحَاطَةُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ تَعَالَى لَا يَفُوتُونَهُ ، كَمَا لَا يَفُوتُ الْمُحَاطَ الْمُحِيطُ بِهِ ، فَقِيلَ : الْعِلْمُ ، وَقِيلَ : بِالْقُدْرَةِ ، وَقِيلَ : بِالْإِهْلَاكِ . وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ اعْتِرَاضِيَّةٌ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ هُمَا : يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ ، وَيَكَادُ الْبَرْقُ ، وَهُمَا مِنْ قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ . وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ هَذَا التَّمْثِيلَ مِنَ التَّمِثِيلَاتِ الْمُرَكَّبَةِ ، وَهُوَ الَّذِي تُشَبَّهُ فِيهِ إِحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آحَادُ إِحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ شَبِيهَةٌ بِآحَادِ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى ، فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ تَشْبِيهَ حَيْرَةِ الْمُنَافِقِينَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِحَيْرَةِ مَنِ انْطَفَأَتْ نَارُهُ بَعْدَ إِيقَادِهَا ، وَبِحَيْرَةِ مَنْ أَخَذَتْهُ السَّمَاءُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ مَعَ رَعْدٍ وَبَرْقٍ . وَهَذَا الَّذِي سَبَقَ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ . وَقَالُوا أَيْضًا : يَكُونُ مِنَ التَّشْبِيهِ الْمُفَرَّقِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَثَلُ مُرَكَّبًا مِنْ أُمُورٍ ، وَالْمُمَثَّلُ يَكُونُ مُرَكَّبًا أَيْضًا ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَثَلِ مُشْبِهٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُمَثَّلِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلَانِ مِنْ جَعْلِ هَذَا الْمَثَلِ مِنَ التَّمْثِيلِ الْمُفَرَّقِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّ الصَّيِّبَ مَثَلٌ لِلْإِسْلَامِ ، وَالظُّلُمَاتِ مَثَلٌ لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ النِّفَاقِ ، وَالرَّعْدُ وَالْبَرْقُ مَثَلَانِ لِمَا يُخَوَّفُونَ بِهِ . وَالرَّابِعُ : الْبَرْقُ مَثَلٌ لِلْإِسْلَامِ ، وَالظُّلُمَاتُ مَثَلٌ لِلْفِتْنَةِ وَالْبَلَاءِ . وَالْخَامِسُ : الصَّيِّبُ الْغَيْثُ الَّذِي فِيهِ الْحَيَاةُ مَثَلٌ لِلْإِسْلَامِ ، وَالظُّلُمَاتُ مَثَلٌ لِإِسْلَامِ الْمُنَافِقِينَ وَمَا فِيهِ مِنْ إِبِطَانِ الْكُفْرِ ، وَالرَّعْدُ مَثَلٌ لِمَا فِي الْإِسْلَامِ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ وَالِاخْتِلَاطِ بِالْمُسْلِمِينَ فِي الْمُنَاكَحَةِ وَالْمُوَارَثَةِ ، وَالْبَرْقُ وَمَا فِيهِ مِنَ الصَّوَاعِقِ مَثَلٌ لِمَا فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الزَّجْرِ بِالْعِقَابِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ ، وَيُرْوَى مَعْنَى هَذَا عَنِ
الْحَسَنِ . وَالسَّادِسُ : أَنَّ الصَّيِّبَ وَالظُّلُمَاتِ وَالرَّعْدَ وَالْبَرْقَ وَالصَّوَاعِقَ كَانَتْ حَقِيقَةً أَصَابَتْ بَعْضَ
الْيَهُودِ ، فَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا بِقِصَّتِهِمْ لِبَقِيَّتِهِمْ ، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ . السَّابِعُ : أَنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ الَّذِي أَصَابَ الْمُنَافِقِينَ ، فَكَأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا كَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ وَوَلَدُهُمُ الْغِلْمَانُ ، أَوْ أَصَابُوا غَنِيمَةً أَوْ فَتْحًا قَالُوا : دِينُ
مُحَمَّدٍ صِدْقٌ ، فَاسْتَقَامُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا هَلَكَتْ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَأَصَابَهُمُ الْبَلَاءُ قَالُوا : هَذَا مِنْ أَجْلِ دِينِ
مُحَمَّدٍ ، فَارْتَدُّوا كُفَّارًا . الثَّامِنُ : أَنَّهُ مَثَّلَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنَ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ وَالنِّعْمَةِ وَالْبَلَاءِ بِالصَّيِّبِ الَّذِي يَجْمَعُ نَفْعًا بِإِحْيَائِهِ الْأَرْضَ وَإِنْبَاتِهِ النَّبَاتَ وَإِحْيَاءِ كُلِّ دَابَّةٍ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ لِلتَّطْهِيرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَنَافِعِ ، وَضَرًّا بِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنَ الْإِغْرَاقِ وَالْإِشْرَاقِ ، وَمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الظُّلُمَاتِ وَالصَّوَاعِقِ بِالْإِرْعَادِ وَالْإِبْرَاقِ ، وَأَنَّ الْمُنَافِقَ يَدْفَعُ آجِلًا بِطَلَبِ عَاجِلِ النَّفْعِ ، فَيَبِيعُ آخِرَتَهُ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ بِالدُّنْيَا الَّتِي صَفُّوهَا كَدِرٌ وَمَآلُهُ بَعْدُ إِلَى سَقَرَ . التَّاسِعُ : أَنَّهُ مَثَلٌ لِلْقِيَامَةِ لِمَا يَخَافُونَهُ مِنْ وَعِيدِ الْآخِرَةِ لِشَكِّهِمْ فِي دِينِهِمْ وَمَا فِيهِ مِنَ الْبَرْقِ ، بِمَا فِي إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَقْنِ دِمَائِهِمْ ، وَمَثَّلَ مَا فِيهِ مِنَ الصَّوَاعِقِ بِمَا فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الزَّوَاجِرِ بِالْعِقَابِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ . الْعَاشِرُ : ضَرْبُ الصَّيِّبِ مَثَلٌ لِمَا أَظْهَرَ الْمُنَافِقُونَ مِنَ الْإِيمَانِ وَالظُّلُمَاتِ بِضَلَالِهِمْ وَكُفْرِهِمُ الَّذِي أَبَطَنُوهُ ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْبَرْقِ بِمَا عَلَاهُمْ مِنْ خَيْرِ الْإِسْلَامِ وَعَلَتْهُمْ مِنْ بَرَكَتِهِ ، وَاهْتِدَائِهِمْ بِهِ إِلَى مَنَافِعِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ ، وَأَمْنِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَمَا فِيهِ مِنَ الصَّوَاعِقِ ، بِمَا اقْتَضَاهُ نِفَاقُهُمْ وَمَا هُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْهَلَاكِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ . وَقَدْ ذَكَرُوا أَيْضًا أَقْوَالًا كُلَّهَا تَرْجِعُ إِلَى
[ ص: 88 ] التَّمْثِيلِ التَّرْكِيبِيِّ ، الْأَوَّلُ : شَبَّهَ حَالَ الْمُنَافِقِينَ بِالَّذِينَ اجْتَمَعَتْ لَهُمْ ظُلْمَةُ السَّحَابِ مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ ، فَكَانَ ذَلِكَ أَشَدُّ لِحَيْرَتِهِمْ ، إِذْ لَا يَرَوْنَ طَرِيقًا ، وَلَا مَنْ أَضَاءَ لَهُ الْبَرْقَ ثُمَّ ذَهَبَ كَانَتِ الظُّلْمَةُ عِنْدَهُ أَشَدُّ مِنْهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَرْقٌ . الثَّانِي : أَنَّ الْمَطَرَ وَإِنْ كَانَ نَافِعًا إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ صَارَ النَّفْعُ بِهِ زَائِلًا ، كَذَلِكَ إِظْهَارُ الْإِيمَانِ نَافِعٌ لِلْمُنَافِقِ لَوْ وَافَقَهُ الْبَاطِنُ ، وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَهُوَ ضَرَرٌ . الثَّالِثُ : أَنَّهُ مَثَّلَ حَالَ الْمُنَافِقِينَ فِي ظَنِّهِمْ أَنَّ مَا أَظْهَرُوهُ نَافِعُهُمْ وَلَيْسَ بِنَافِعِهِمْ بِمَنْ نَزَلَتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمُورُ مَعَ الصَّوَاعِقِ ، فَإِنَّهُ يَظُنُّ أَنَّ الْمُخَلِّصَ لَهُ مِنْهَا جَعْلُ أَصَابِعِهِ فِي آذَانِهِ وَهُوَ لَا يُنْجِيهِ ذَلِكَ مِمَّا يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ مِنْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ . الرَّابِعُ : أَنَّهُ مَثَّلَ لِتَأَخُّرِ الْمُنَافِقِ عَنِ الْجِهَادِ فِرَارًا مِنَ الْمَوْتِ بِمَنْ أَرَادَ دَفْعَ هَذِهِ الْأُمُورِ بِجَعْلِ أَصَابِعِهِمْ فِي آذَانِهِمْ . الْخَامِسُ : أَنَّهُ مَثَّلَ لِعَدَمِ خَلَاصِ الْمُنَافِقِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ بِالْجَاعِلِينَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ وَإِنْ تَخَلَّصُوا مِنَ الْمَوْتِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ ، فَإِنَّ الْمَوْتَ مِنْ وَرَائِهِمْ .