و " الناس " ظاهره العموم في المفيضين ، ومعناه أنه الأمر القديم الذي عليه الناس ، كما تقول : هذا مما يفعله الناس ، أي [ ص: 100 ] عادتهم ذلك ، وقيل : الناس أهل اليمن وربيعة ، وقيل : جميع العرب دون الحمس ، وقيل : الناس إبراهيم ومن أفاض معه من أبنائه والمؤمنين به ، وقيل : إبراهيم وحده ، وقيل : آدم وحده ، وهو قول : لأنه الزهري أبو الناس وهم أولاده وأتباعه ، والعرب تخاطب الرجل العظيم الذي له أتباع مخاطبة الجمع ، وكذلك من له صفات كثيرة ، ومنه قوله :
فأنت الناس إذ فيك الذي قد حواه الناس من وصف جميل
ويؤيده قراءة ابن جبير : " من حيث أفاض الناسي " ، بالياء من قوله : ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ) ، وإطلاق الناس على واحد من الناس هو خلاف الأصل ، وقد رجح هذا بأن قوله : ( من حيث أفاض الناس ) ، هو فعل ماض يدل على فاعل متقدم ، والإفاضة إنما صدرت من آدم وإبراهيم ، ولا يلزم هذا الترجيح : لأن " حيث " إذا أضيفت إلى جملة مصدرة بماض جاز أن يراد بالماضي حقيقته ، كقوله تعالى : ( فأتوهن من حيث أمركم الله ) . وتارة يراد به المستقبل ، كقوله تعالى : ( ومن حيث خرجت فول وجهك ) ، وهذا معروف في حيث ، فلا يلزم ما ذكره . وعلى تسليم أنه فعل ماض ، وأنه يدل على فاعل متقدم لا يلزم من ذلك أن يكون فاعله واحدا : لأنه قبل صدور هذا الأمر بالإفاضة كان إما جميع من أفاض قبل تغيير قريش ذلك ، وإما غير قريش بعد تغييرهم من سائر من حج من العرب ، فالأولى حمل الناس على جنس المفيضين العام ، أو على جنسهم الخاص . وقد رجح قول من قال بأنهم أهل اليمن وربيعة بحج أبي بكر بالناس ، حين أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وأمره أن يخرج بالناس إلى عرفات فيقف بها ، فإذا غربت الشمس أفاض بالناس حتى يأتي بهم جمعا فيبيت بها ، فتوجه أبو بكر إلى عرفات ، فمر بالحمس وهم وقوف بجمع ، فلما ذهب ليجاوزهم قالت له الحمس : يا أبا بكر ! أين تجاوزنا إلى غيرنا ؟ هذا موقف آبائك ، فمضى أبو بكر كما أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عرفات ، وبها أهل اليمن وربيعة . وهذا تأويل قوله : ( من حيث أفاض الناس ) ، فوقف بها حتى غربت الشمس ، ثم أفاض بالناس إلى المشعر الحرام فوقف بها ، فلما كان عند طلوع الشمس أفاض منه .
وقراءة ابن جبير : " من حيث أفاض الناسي " ، بالياء ، قراءة شاذة ، وفيها تنبيه على أن الإفاضة من عرفات شرع قديم ، وفيها تذكير يذكر عهد الله وأن لا ينسى ، وقد ذكرنا أنه يؤول على أن المراد بالناسي آدم عليه السلام ، ويحتمل أن يكون الناسي في قراءة سعيد معناه التارك ، أي : للوقوف بمزدلفة أولا ، ويكون يراد به الجنس ، إذ الناسي يراد به التارك للشيء ، فكأن المعنى ، والله أعلم : أنهم أمروا بأن يفيضوا من الجهة التي يفيض منها من ترك الإفاضة من المزدلفة وأفاض من عرفات ، ويكون الناسي يراد به الجنس ، فيكون موافقا من حيث المعنى لقراءة الجمهور : لأن الناس الذين أمرنا بالإفاضة من حيث أفاضوا ، هم التاركون للوقوف بمزدلفة ، والجاعلون الإفاضة من عرفات على سنن من سن الحج ، وهو إبراهيم - عليه السلام - بخلاف قريش ، فإنهم جعلوا الإفاضة من المزدلفة ، ولم يكونوا ليقفوا بعرفات فيفيضوا منها . قال ابن عطية : ويجوز عند بعضهم حذف الياء ، فيقول الناس ، كالقاض والهاد ، قال : أما جوازه في العربية فذكره ، وأما كون جوازه مقروءا به فلا أحفظه ، انتهى كلامه . سيبويه
فقوله أما جوازه في العربية فذكره ، ظاهر كلام سيبويه ابن عطية أن ذلك جائز مطلقا ، ولم يجزه إلا في الشعر ، وأجازه سيبويه الفراء في الكلام . [ ص: 101 ] وأما قوله : وأما جوازه مقروءا به فلا أحفظه ، فكونه لا يحفظه قد حفظه غيره . قال أبو العباس المهدوي : " أفاض الناسي " ، وعنه أيضا : الناس بالكسر من غير ياء . انتهى قول بسعيد بن جبير أبي العباس المهدوي .
( واستغفروا الله ) ، أمرهم بالاستغفار في مواطن مظنة القبول ، وأماكن الرحمة ، وهو طلب الغفران من الله باللسان مع التوبة بالقلب ، إذ الاستغفار باللسان دون التوبة بالقلب غير نافع ، وأمروا بالاستغفار وإن كان فيهم من لم يذنب ، كمن بلغ قبيل الإحرام ولم يقارف ذنبا وأحرم ، فيكون الاستغفار من مثل هذا : لأجل أنه ربما صدر منه تقصير في أداء الواجبات والاحتراز من المحظورات ، وظاهر هذا الأمر أنه ليس طلب غفران من ذنب خاص ، بل طلب غفران الذنوب ، وقيل : إنه أمر بطلب غفران خاص ، والتقدير : واستغفروا الله مما كان من مخالفتكم في الوقوف والإفاضة ، فإنه غفور لكم ، رحيم فيما فرطتم فيه في حلكم وإحرامكم ، وفي سفركم ومقامكم .
وفي الأمر بالاستغفار عقب الإفاضة أو معها دليل على أن ذلك الوقت ، وذلك المكان المفاض منه ، والمذهوب إليه من أزمان الإجابة وأماكنها ، والرحمة والمغفرة .
وقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - خطب عشية عرفة فقال : " " ، فلما كان غداة جمع خطب فقال : " أيها الناس إن الله تعالى تطاول عليكم في مقامكم ، فقبل من محسنكم ووهب مسيئكم لمحسنكم ، إلا التبعات فيما بينكم ، فامضوا على اسم الله أيها الناس إن الله قد تطاول عليكم ، فعوض التبعات من عنده " . وأخرج في ( التمهيد ) ثلاثة أحاديث تدل على أن الله تعالى يباهي بحجاج بيته ملائكته ، وأنه يغفر لهم ما سلف من ذنوبهم ، وأنه ضمن عنهم التبعات . أبو عمرو بن عبد البر
و " استغفر " يتعدى لاثنين ، الثاني منهما بحرف الجر ، وهو من فعول ، استغفرت الله من الذنب ، وهو الأصل ، ويجوز أن تحذف من ، كما قال الشاعر :
أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل
تقديره : من ذنب ، وذهب أبو الحسن بن الطراوة إلى أن " استغفر " يتعدى بنفسها إلى مفعولين صريحين ، وأن قولهم استغفر الله من الذنب ، إنما جاء على سبيل التضمين ، كأنه قال تبت إلى الله من الذنب ، وهو محجوج بقول ، ونقله عن العرب ، وذلك مذكور في علم النحو ، وحذف هنا المفعول الثاني للعلم به ، ولم يجئ في القرآن مثبتا ، لا مجرورا بمن ولا منصوبا ، بخلاف غفر ، فإنه تارة جاء [ ص: 102 ] في القرآن مذكورا مفعوله ، كقوله : ( سيبويه ومن يغفر الذنوب إلا الله ) ، وتارة محذوفا ، كقوله تعالى : ( يغفر لمن يشاء ) ، وجاء استغفر أيضا ، معدى باللام ، كما قال تعالى : ( فاستغفروا لذنوبهم ) ، ( واستغفر لذنبك ) ، وكأن هذه اللام - والله أعلم - لام العلة ، وأن ما دخلت عليه مفعول من أجله ، واستفعل هنا للطلب ، كاستوهب واستطعم واستعان ، وهو أحد المعاني التي جاء لها استفعل ، وقد ذكرنا ذلك في قوله : ( وإياك نستعين ) .
( إن الله غفور رحيم ) ، هذا كالسبب في الأمر بالاستغفار ، وهو أنه تعالى كثير الغفران ، كثير الرحمة ، وهاتان الصفتان للمبالغة ، وأكثر بناء فعول من فعل ، نحو غفور ، وصفوح ، وصبور ، وشكور ، وضروب ، وقتول ، وتروك ، وهجوم ، وعلوك ، وأكثر بناء فعيل من فعل بكسر العين نحو رحيم ، وعليم ، وحفيظ ، وسميع ، وقد يتعارضان . قالوا : رقب فهو رقيب ، وقدر فهو قدير ، وجهل فهو جهول . وقد تقدم الكلام على نحو هذه الجمل ، أعني : أن يكون آخر الكلام ذكر اسم الله ، ثم يعاد بلفظه بعد " إن " ، والأولى أن يطلق الغفران والرحمة ، وأن ذلك من شأنه تعالى . وقيل : إن المغفرة الموعودة في الآية هي عند الدفع من عرفات ، وقيل : إنها عند الدفع من جمع إلى منى ، والأولى ما قدمناه .
( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ) ، وسبب نزولها أنهم كانوا إذا اجتمعوا في الموسم تفاخروا بآبائهم ، فيقول أحدهم : كان يقري الضيف ، ويضرب بالسيف ، ويطعم الطعام ، وينحر الجزور ، ويفك العاني ، ويجز النواصي ، ويفعل كذا وكذا . فنزلت .
وقال الحسن : كانوا إذا حدثوا أقسموا بالآباء ، فيقولون : وأبيك ، فنزلت . وقال : كانوا إذا قضوا المناسك وأقاموا بمنى يقوم الرجل ويسأل الله ، فيقول : اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة ، كثير المال فأعطني بمثل ذلك ليس يذكر الله ، إنما يذكر أباه ، ويسأل الله أن يعطيه في دنياه ، وقال معناه ، السدي أبو وائل ، وابن زيد ، فنزلت " فإذا قضيتم " ، أي أديتم وفرغتم ، كقوله : ( فإذا قضيت الصلاة ) ، أي : أديت ، وقد يعبر بالقضاء عن ما يفعل من العبادات خارج الوقت المحدود ، والقضاء إذا علق على فعل النفس ، فالمراد منه الإتمام والفراغ ، كقوله وما فاتكم فاقضوا ، وإذا علق على فعل غيره ، فالمراد منه الإلزام ، كقوله : قضى الحاكم بينهما ، والمراد من الآية الفراغ . وقال بعض المفسرين : يحتمل أن يكون هذا الشرط والجزاء ، كقولك : إذا حججت فطف وقف بعرفة ، [ ص: 103 ] فلا نعني بالقضاء الفراغ من الحج ، بل الدخول فيه ، ونعني بالذكر ما أمروا به من الدعاء بعرفات ، والمشعر الحرام ، والطواف والسعي ، فيكون المعنى : فإذا شرعتم في قضاء المناسك ، أي : في أدائها فاذكروا . وهذا خلاف الظاهر : لأن الظاهر الفراغ من المناسك لا الشروع فيها ، ويؤيد ذلك مجيء الفاء في " فإذا " بعد الجمل السابقة .
والمناسك : هي مواضع العبادة ، فيكون هذا على حذف مضاف ، أي : أعمال مناسككم . أو العبادات نفسها المأمور بها في الحج ، قاله الحسن ، أو الذبايح وإراقة الدماء ، قاله مجاهد .
" فاذكروا الله " هذا جواب " إذا " ، والمعنى : إذا فرغتم من الوقوف بعرفة ، ونفرتم من منى ، فعظموا الله وأثنوا عليه إذ هداكم لهذه الطاعة ، وسهلها ويسرها عليكم ، حتى أديتم فرض ربكم وتخلصتم من عهدة هذا الأمر الشاق الصعب الذي لا يبلغ إلا بالتعب الكثير ، وانهماك النفس والمال ، وقيل : الذكر هنا هو ذكر الله على الذبيحة ، وقيل : هو التكبيرات بعد الصلاة في يوم النحر وأيام التشريق ، وقيل : بل المقصود تحويلهم عن ذكر آبائهم إلى ذكره تعالى " كذكركم آباءكم " تقدم . هذا هو ذكر مفاخرهم ، أو السؤال من الله أن يعطيهم مثل ما أعطى آباءهم ، أو القسم بآبائهم ، وقيل : ذكر آبائهم في حال الصغر ، ولهجه بأبيه يقول : أبة أبة ، أول ما يتكلم . وقيل : معنى الذكر هنا الغضب لله كما تغضب لوالديك إذا سبا ، قاله أبو الجوزاء ، عن . ونقل ابن عباس ابن عطية أن قرأ : " كذكركم آباؤكم " ، برفع الآباء ، ونقل غيره عن محمد بن كعب القرظي أنه قرأ : أباكم ، على الإفراد ، ووجه الرفع أنه فاعل بالمصدر ، والمصدر مضاف إلى المفعول ، التقدير : كما يذكركم آباؤكم . والمعنى : ابتهلوا بذكر الله والهجوا به كما يلهج المرء بذكر ابنه . محمد بن كعب
ووجه الإفراد أنه استغني به عن الجمع ؛ لأنه يفهم الجمع من الإضافة إلى الجمع : لأنه معلوم أن المخاطبين ليس لهم أب واحد ، بل آباء .
و " أو " هنا قيل : للتخيير ، وقيل : للإباحة ، وقيل : بمعنى بل أشد ، جوزوا في إعرابه وجوها اضطروا إليها : لاعتقادهم أن " ذكرا " بعد " أشد " تمييزا بعد أفعل التفضيل ، فلا يمكن إقراره تمييزا إلا بهذه التقادير التي قدروها ، ووجه إشكال كونه تمييزا أن أفعل التفضيل إذا انتصب ما بعده ، فإنه يكون غير الذي قبله ، تقول : زيد أحسن وجها ؛ لأن الوجه ليس زيدا ، فإذا كان من جنس ما قبله انخفض نحو : زيد أفضل رجل . فعلى هذا يكون التركيب في مثل : اضرب زيدا كضرب عمرو خالدا أو أشد ضرب ، بالجر لا بالنصب ؛ لأن ما بعد أفعل التفضيل من جنس ما قبله ، فجوزوا إذ ذاك النصب على وجوه .
أحدها : أن يكون معطوفا على موضع الكاف في " ذكركم " ؛ لأنها عندهم نعت لمصدر محذوف ، أي : ذكرا كذكركم آباءكم أو أشد ، وجعلوا الذكر ذاكرا على جهة المجاز ، كما قالوا : شعر شاعر ، قاله أبو علي . وابن جني
الثاني : أن يكون معطوفا على آبائكم ، قاله ، قال : بمعنى أو أشد ذكرا من آبائكم ، على أن ذكرا من فعل المذكور ، انتهى . وهو كلام قلق ، ومعناه : أنك إذا عطفت أشد على آبائكم كان التقدير : أو قوما أشد ذكرا من آبائكم ، فكان القوم مذكورين ، والذكر الذي هو تمييز بعد " أشد " هو من فعلهم ، أي من فعل القوم المذكورين : لأنه جاء بعد أفعل الذي هو صفة للقوم ، ومعنى قوله " من آبائكم " أي : من ذكركم لآبائكم . الزمخشري
الثالث : أنه منصوب بإضمار فعل الكون ، والكلام محمول على المعنى . التقدير : أو كونوا أشد ذكرا له منكم لآبائكم . ودل عليه أن معنى : " فاذكروا الله " : كونوا ذاكريه . قال أبو البقاء : قال : وهذا أسهل من حمله على المجاز ، يعني في أن يجعل للذكر ذكر في قول أبي علي . وابن جني
وجوزوا الجر في أشد على وجهين . أحدهما : أن يكون معطوفا على " ذكركم " . قاله ، الزجاج وابن عطية ، وغيرهما . فيكون التقدير : أو كذكر أشد ذكرا ، فيكون إذ ذاك قد جعل للذكر ذكر . الثاني : أن يكون معطوفا على الضمير المجرور [ ص: 104 ] بالمصدر في " كذكركم " . قاله . قال ما نصه : أو أشد ذكرا في موضع جر ، عطف على ما أضيف إليه الذكر في قوله " كذكركم " ، كما تقول : كذكر الزمخشري قريش آباءهم أو قوم أشد منهم ذكرا ، وفي قول : العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار ، فهي خمسة وجوه من الإعراب كلها ضعيف ، والذي يتبادر إليه الذهن في الآية أنهم أمروا بأن يذكروا الله ذكرا يماثل آبائهم أو أشد ، وقد ساغ لنا حمل الآية على هذا المعنى بتوجيه واضح ذهلوا عنه ، وهو أن يكون " أشد " منصوبا على الحال ، وهو نعت لقوله : " ذكرا " لو تأخر ، فلما تقدم انتصب على الحال ، كقولهم : لمية موحشا طلل فلو تأخر لكان : لمية طلل موحش ، وكذلك لو تأخر هذا لكان : أو ذكرا أشد ، يعني : من ذكركم آباءكم ، ويكون إذ ذاك : أو ذكرا أشد ، معطوفا على محل الكاف من " كذكركم " ، ويجوز أن يكون ذكرا مصدرا لقوله : فاذكروا كذكركم ، في موضع الحال : لأنه في التقدير : نعت نكرة تقدم عليهما فانتصب على الحال ، ويكون " أو أشد " معطوفا على محل الكاف حالا معطوفة على حال ، ويصير كقوله : أضرب مثل ضرب فلان ضربا ، التقدير ضربا مثل ضرب فلان ، فلما تقدم انتصب على الحال ، وحسن تأخره أنه كالفاصلة في جنس المقطع . ولو تقدم لكان : فاذكروا ذكرا كذكركم ، فكان اللفظ يتكرر ، وهم مما يجتنبون كثرة التكرار للفظ ، فلهذا المعنى ، ولحسن القطع تأخر . الزمخشري
لا يقال في الوجه الأول أنه يلزم فيه الفصل بين حرف العطف وهو " أو " وبين المعطوف الذي هو " ذكرا " بالحال الذي هو " أشد " ، وقد نصوا على أنه إذا جاز ذلك فشرطه أن يكون المفصول به قسما أو ظرفا أو مجرورا ، وأن يكون حرف العطف على أزيد من حرف ، وقد وجد هذا الشرط الآخر ، وهو كون الحرف على أزيد من حرف ، وفقد الشرط الأول : لأن المفصول به ليس بقسم ولا ظرف ولا مجرور ، بل هو حال : لأن الحال هي مفعول فيها في المعنى ، فهي شبيهة بالحرف ، فيجوز فيها ما جاز في الظرف . وهذا أولى من جعل " ذكرا " تمييزا لأفعل التفضيل الذي هو وصف في المعنى ، فيكون للذكر ذكر بأن ينصبه على محل الكاف ، أو يجره عطفا على ذكر المجرور بالكاف ، أو الذي هو وصف في المعنى للذكر بأن ينصبه بإضمار فعل أي : كونوا أشد ، أو للذاكر الذكر ، وبأن ينصبه عطفا على " آباءكم " ، أو للذكر الفاعل بأن يجره عطفا على المضاف إليه الذكر ، ولا يخفى ما في هذه الأوجه من الضعف ، فينبغي أن ينزه القرآن عنها .