وقرئ شاذا ( كلمة طيبة ) بالرفع . قال أبو البقاء : على الابتداء ، و ( كشجرة ) خبره ; انتهى . ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : هو ; أي : المثل كلمة طيبة كشجرة ، و ( كشجرة ) نعت لكلمة ، و ( الكلمة الطيبة ) هي : لا إله إلا الله ، قاله ; أو الإيمان ; قاله ابن عباس مجاهد ; أو المؤمن نفسه ; قاله وابن جريج عطية العوفي والربيع ; أو جميع طاعاته أو القرآن ، قاله الأصم ; أو دعوة الإسلام ; قاله ابن بحر ; أو الثناء على الله أو التسبيح والتنزيه ; والشجرة الطيبة : المؤمن ، قاله ، أو جوزة الهند ، قاله ابن عباس علي ، أو شجرة في الجنة ، قاله وابن عباس أيضا ، أو النخلة وعليه أكثر المتأولين ، وهو قول : ابن عباس ، ابن مسعود ، وابن عباس وأنس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، وابن زيد ، وجاء ذلك نصا من حديث مما خرجه ابن عمر عنه ، قال : الدارقطني ; الحديث . وقال قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر الآية ، فقال : أتدرون ما هي ؟ فوقع في نفسي أنها النخلة أبو العالية : أتيت فجيء بطبق عليه رطب ، فقال أنس بن مالك أنس : كل يا أبا العالية ، فإنها الشجرة الطيبة التي ذكرها الله في كتابه ، ثم قال : أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصاع بسر ، فتلا هذه الآية . وفي الترمذي من حديث أنس نحو هذا . وقال : [ ص: 422 ] كل شجرة مثمرة طيبة الثمار كالنخلة ، وشجرة التين ، والعنب ، والرمان ، وغير ذلك ; انتهى . الزمخشري
وقد ، فلا يبعد أن يشبه أيضا بشجرتها . أصلها ثابت ; أي : في الأرض ضارب بعروقه فيها . وقرأ شبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - المؤمن الذي يقرأ القرآن بالأترجة : كشجرة طيبة ثابت أصلها ، أجريت الصفة على الشجرة لفظا وإن كانت في الحقيقة للسببي . وقراءة الجماعة فيها إسناد الثبوت إلى السببي لفظا ومعنى ، وفيها حسن التقسيم ، إذ جاء أصلها ثابت وفرعها في السماء ، يريد بالفرع : أعلاها ورأسها ، وإن كان المشبه به ذا فروع ، فيكون من باب الاكتفاء بلفظ الجنس . ومعنى في السماء : جهة العلو والصعود لا المظلة . وفي الحديث : " أنس بن مالك " ولما شبهت الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة كانت الكلمة أصلها ثابت في قلوب أهل الإيمان ، وما يصدر عنها من الأفعال الزكية والأعمال الصالحة هو فرعها يصعد إلى السماء إلى الله تعالى : ( خلق الله آدم طوله في السماء ستون ذراعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) وما يترتب على ذلك العمل وهو ثواب الله ، هو جناها ، ووصف هذه الشجرة بأربعة أوصاف : الأول قوله : طيبة ، أي كريمة المنبت ، والأصل في الشجرة له لذة في المطعم . قال الشاعر :
طيب الباءة سهل ولهم سبل إن شئت في وحش وعر
أي ساحتهم سهلة طيبة . الثاني : رسوخ أصلها ، وذلك يدل على تمكنها ، وأن الرياح لا تقصفها ، فهي بطيئة الفناء ، وما كان كذلك حصل الفرح بوجدانه . والثالث : علو فرعها ، وذلك يدل على تمكن الشجرة ورسوخ عروقها ، وعلى بعدها عن عفونات الأرض ، وعلى صفائها من الشوائب . الرابع : ديمومة وجود ثمرتها وحضورها في كل الأوقات . والحين في اللغة قطعة من الزمان ; قال الشاعر :تناذرها الراقون من سوء سمها تطلقه حينا وحينا تراجع
وقال : الحين شهران ، لأن النخلة تدوم مثمرة شهرين . وقيل : لا تتعطل من ثمر تحمل في كل شهر ، وهي شجرة جوز الهند . وقال ابن المسيب أيضا ابن عباس والضحاك ، والربيع : كل حين أي كل غدوة وعشية ، ومتى أريد جناها ، ويتخرج على أنها شجرة في الجنة . والتذكر المرجو بضرب المثل هو التفهم والتصور للمعاني المدركة بالعقل ، فمتى أبرزت بالمحسوسات لم ينازع فيها الحس والخيال والوهم ، وانطبق المعقول على المحسوس ، فحصل الفهم والوصول إلى المطلوب . والكلمة الخبيثة : هي كلمة الكفر على قول الجمهور . وقال مسروق : الكذب ، وقال : أن تجر دعوة الكفر وما يعزى إليه الكافر . وقيل : كل كلام لا يرضاه الله تعالى . وقرأ أبي : ( وضرب الله مثلا كلمة خبيثة ) ، وقرئ : و ( مثل كلمة ) بنصب ( مثل ) عطفا على ( كلمة طيبة ) . والشجرة الخبيثة : شجرة الحنظل ; قاله الأكثرون : ، ابن عباس ومجاهد ، ، ورواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال الزجاج وفرقة : شجرة الثوم . وقيل : شجرة الكشوت ، وهي شجرة لا ورق لها ولا أصل ، قال : وهي كشوت ، فلا أصل ولا ثمر . وقال وأنس بن مالك ابن عطية : ويرد على هذه الأقوال أن هذه كلها من النجم وليست من الشجر ، والله تعالى إنما مثل بالشجر فلا تسمى هذه شجرة إلا بتجوز ، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الثوم والبصل " " وقيل : الطحلبة . وقيل : الكمأة . وقيل : كل شجر لا يطيب له ثمر . وعن من أكل من هذه الشجرة : هي الكافر ، وعنه أيضا : شجرة لم تخلق على الأرض . وقال ابن عباس ابن عطية : [ ص: 423 ] والظاهر عندي أن التشبيه وقع بشجرة غير معينة ، إذا وجدت منها هذه الأوصاف هو أن يكون كالعضاة أو شجرة السموم ونحوها إذا اجتثت ; أي : اقتلعت جثها بنزع الأصول وبقيت في غاية الوهي والضعف ، فتقلبها أقل ريح . فالكافر يرى أن بيده شيئا ، وهو لا يستقر ، ولا يغني عنه كهذه الشجرة التي يظن بها على بعد الجاهل أنها شيء نافع ، وهي خبيثة الجني غير نافعة ; انتهى . واجتثت من فوق الأرض مقابل لقوله : أصلها ثابت ، أي : لم يتمكن لها أصل ولا عرق في الأرض ، وإنما هي نابتة على وجه الأرض . ما لها من قرار ، أي : استقرار . يقال : قر الشيء قرارا ثبت ثباتا ، شبه بهذه الشجرة القول الذي لم يعضد بحجة ، فهو لا يثبت بل يضمحل عن قريب لبطلانه ، والقول الثابت هو الذي ثبت بالحجة والبرهان في قلب صاحبه وتمكن فيه ، واطمأنت إليه نفسه . وتثبيتهم به في الدنيا كونهم لو فتنوا عن دينهم في الدنيا لثبتوا عليه وما زلوا ، كما جرى لأصحاب الأخدود ، والذين نشروا بالمناشير ، وكشطت لحومهم بأمشاط الحديد ، كما ثبت جرجيس وشمعون وبلال حتى كان يعذب بالرمضاء وهو يقول : أحد أحد . وتثبيتهم في الآخرة كونهم إذا سئلوا عند توافق الإشهاد عن معتقدهم ولم يتلعثموا ، ولم يبهتوا ، ولم تحيرهم أهوال الحشر . والذين آمنوا عام من لدن آدم إلى يوم القيامة . وقال طاوس وقتادة وجمهور من العلماء : أن تثبيتهم في الدنيا هو مدة حياة الإنسان ، وفي الآخرة هو وقت سؤاله في قبره ، ورجح هذا القول . وقال الطبري وجماعة : في الحياة الدنيا هي وقت سؤاله في قبره ، ورواه البراء بن عازب البراء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي الآخرة هو يوم القيامة عند العرض . وقيل : معنى تثبيته في الحياة الدنيا وفي الآخرة : هو حياته على الإيمان ، وحشره عليه . وقيل : التثبيت في الدنيا : الفتح والنصر ، وفي الآخرة : الجنة والثواب . وما صح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث البراء من تلاوته عند إيعاد المؤمن في قبره ، وسئل وشهد شهادة الإخلاص قوله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا ) ، الآية ، لا يظهر منه ; يعني : أن الحياة الدنيا هي حياة الإنسان ، وأن الآخرة في القبر ، ولا أن الحياة الدنيا هي في القبر ، وأن الآخرة هي يوم القيامة ، بل اللفظ محتمل . ومعنى يثبت : يديمهم عليه ، ويمنعهم من الزلل . ومنه قول : عبد الله بن رواحة
فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا