( لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم )
قال قتادة وابن جريج ومقاتل : لما رأوا كتاب الصلح يوم الحديبية وقد كتب بسم الله الرحمن الرحيم قال : ما يعرف الرحمن إلا سهيل بن عمرو مسيلمة ، فنزلت . وقيل : سمع أبو جهل الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : يا رحمن ، فقال : إن محمدا ينهانا عن عبادة آلهة وهو يدعو إلهين فنزلت . ذكر هذا ، وعن علي بن أحمد النيسابوري : لما قيل لكفار قريش اسجدوا للرحمن قالوا : وما الرحمن فنزلت . قال ابن عباس : مثل ذلك الإرسال أرسلناك يعني : أرسلناك إرسالا له شأن وفضل على سائر الإرسالات ، انتهى . ولم يتقدم إرسال يشار إليه بذلك ، إلا إن كان يفهم من المعنى فيمكن ذلك . وقال الزمخشري الحسن : كإرسالنا الرسل أرسلناك ، فذلك إشارة إلى إرساله الرسل . وقيل : الكاف متعلقة بالمعنى الذي في قوله : ( قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب ) كما أنفذ الله هذا كذلك أرسلناك . وقال ابن عطية : والذي يظهر لي أن المعنى كما أجرينا العادة بأن الله يضل من يشاء ويهدي بالآيات المقترحة ، فكذلك فعلنا في هذه الأمة أرسلناك إليهم بوحي لا بالآيات المقترحة ، فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ، انتهى . وقال الحوفي : الكاف للتشبيه في موضع نصب أي : كفعلنا الهداية والإضلال ، والإشارة بذلك إلى ما وصف به نفسه من أنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء . وقال أبو البقاء : كذلك التقدير الأمر كذلك .
( قد خلت من قبلها أمم ) أي : تقدمتها أمم كثيرة ، والمعنى : أرسلت فيهم رسل فمثل ذلك الإرسال أرسلناك . ودل هذا المحذوف الذي يقتضيه المعنى على أن الإشارة بذلك إلى إرساله تعالى الرسل كما قال الحسن . و ( لتتلو ) أي : لتقرأ عليهم الكتاب المنزل عليك . وعلة الإرسال هي الإبلاغ للدين الذي أتى به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( وهم يكفرون ) أي : وحال هؤلاء أنهم يكفرون بالرحمن ؛ جملة حالية ؛ أي : أرسلناك في أمة رحمة لها مني وهم يكفرون بي ؛ أي : وحال هؤلاء أنهم يكفرون بالرحمن بالبليغ الرحمة . والظاهر أن الضمير في قوله : ( وهم ) عائد على أمة المرسل إليهم الرسول إعادة على المعنى ، إذ لو أعاد على اللفظ لكان التركيب وهي تكفر ، والمعنى : أرسلناك [ ص: 391 ] إليهم وهم يدينون دين الكفر ، فهدى الله بك من أراد هدايته . وقيل : يعود على الذين قالوا : ( لولا أنزل عليه آية من ربه ) وقيل : يعود على أمة وعلى أمم ، والمعنى : الإخبار بأن الأمم السالفة أرسلت إليهم الرسل ، والأمة التي أرسلت إليها ، جميعهم جاءتهم الرسل وهم يدينون دين الكفر ، فيكون في ذلك تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ أمته مثل الأمم السالفة ، ونبه على الوصف الموجب لإرسال الرسول وهو الرحمة الموجبة لشكر الله على إنعامه عليهم ببعثة الرسول والإيمان به .
( قل هو ) أي : الرحمن الذي كفروا به هو ربي الواحد المتعال عن الشركاء ، عليه توكلت في نصرتي عليكم ، وجميع أموري ، وإليه مرجعي ، فيثبتني على مجاهدتكم .