فاستكبروا تعاظموا عن قبولها ، وأعظم الكبر أن يتعاظم العبيد عن قبول رسالة ربهم بعد تبينها واستيضاحها ، وباجترامهم الآثام العظيمة استكبروا واجترءوا على ردها .
والحق هو : العصا واليد ، قالوا لحبهم الشهوات : ( إن هذا لسحر مبين ) وهم يعلمون أن الحق أبعد شيء من السحر الذي ليس إلا تمويها وباطلا ، ولم يقولوا ( إن هذا لسحر مبين ) إلا عند معاينة العصا وانقلابها ، واليد وخروجها بيضاء ، ولم يتعاطوا إلا مقاومة العصا وهي معجزة موسى الذي وقع فيها عجز المعارض .
وقرأ مجاهد وابن جبير : ( والأعمش لساحر مبين ) ، جعل خبر إن اسم فاعل لا مصدرا كقراءة الجماعة . ولما كابروا موسى فيما جاء به من الحق أخبروا على جهة الجزم بأن ما جاء به سحر مبين فقال لهم موسى : أتقولون ؟ مستفهما على جهة الإنكار والتوبيخ ، حيث جعلوا الحق سحرا ، أسحر هذا ؟ أي : مثل هذا الحق لا يدعى أنه سحر .
وأخبر أنه لا يفلح من كان ساحرا لقوله تعالى : ( ولا يفلح الساحر حيث أتى ) والظاهر أن معمول أتقولون محذوف تقديره : ما تقدم ذكره وهو إن هذا لسحر ، ويجوز أن يحذف معمول القول للدلالة عليه نحو قول الشاعر :
لنحن الألى قلتم فأنى ملئتم برؤيتنا قبل اهتمام بكم رعبا
ومسألة الكتاب : متى رأيت أو قلت زيدا منطلقا وقيل : معمول أتقولون هو أسحر هذا إلى آخره ، كأنهم قالوا : أجئتما بالسحر تطلبان به الفلاح ، ولا يفلح الساحرون .
كما قال موسى للسحرة : ( ما جئتم به السحر إن الله سيبطله ) . والذين قالوا : بأن الجملة وأن الاستفهام هي محكية لقول اختلفوا ، فقال بعضهم : قالوا ذلك على سبيل التعظيم للسحر الذي رأوه بزعمهم ، كما تقول لفرس تراه يجيد الجري : أفرس هذا ؟ على سبيل التعجيب والاستغراب ، وأنت قد علمت أنه فرس ، فهو استفهام معناه التعجيب والتعظيم .
وقال بعضهم : قال ذلك منهم كل جاهل بالأمر ، فهو يسأل أهو سحر ؟ لقول بعضهم : إن هذا لسحر ، وأجاز أن يكون معنى قوله : أتقولون للحق : أتعيبونه وتطعنون فيه ، فكان عليكم أن تذعنوا له وتعظموه ، قال : من قولهم فلان يخاف القالة ، وبين الناس تقاول إذا قال بعضهم لبعض ما يسوء ، ونحو القول الذكر في قوله : سمعنا فتى يذكرهم ثم قال : أسحر هذا ؟ فأنكر ما قالوه في عيبه والطعن عليه . الزمخشري