( ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ) : تقدم نظير هذه الآية ، وأعيد ذلك لأن تجدد النزول له شأن في [ ص: 82 ] تقرير ما نزل له وتأكيده ، وإرادة أن يكون على بال من المخاطب لا ينساه ولا يسهو عنه ، وأن يعتقد أن العمل به مهم يفتقر إلى فضل عناية به ، لا سيما إذا تراخى ما بين النزولين ، فأشبه الشيء الذي أهم صاحبه ، فهو يرجع إليه في أثناء حديثه ، ويتخلص إليه . وإنما أعيد هذا المعنى لقوته فيما يجب أن يحذر منه ، قاله . وقال الزمخشري ابن عطية : ووجه تكريرها توكيد هذا المعنى . وقال أبو علي : ظاهره أنه تكرير وليس بتكرير ، لأن الآيتين في فريقين من المنافقين ، ولو كان تكريرا لكان مع تباعد الآيتين لفائدة التأكيد والتذكير . وقيل : أراد بالأولى لا تعظمهم في حال حياتهم بسبب كثرة المال والولد ، وبالثانية لا تعظمهم بعد وفاتهم لمانع الكفر والنفاق . وقد تغايرت الآيتان في ألفاظ ، هنا " ولا " ، وهناك " فلا " ، ومناسبة الفاء أنه عقب قوله : ( ولا ينفقون إلا وهم كارهون ) ، أي : للإنفاق ، فهم معجبون بكثرة الأموال والأولاد ، فنهاه عن الإعجاب بفاء التعقيب . ومناسبة الواو أنه نهي عطف على نهي قبله : ( ولا تصل ) ، ( ولا تقم ) ، ( ولا تعجبك ) فناسبت الواو ، وهنا ( وأولادهم ) ، وهناك ( ولا أولادهم ) ، فذكر " لا " مشعر بالنهي عن الإعجاب بكل واحد واحد على انفراده . ويتضمن ذلك النهي عن المجموع ، وهنا سقطت ، فكان نهيا عن إعجاب المجموع . ويتضمن ذلك النهي عن الإعجاب بكل واحد واحد . فدلت الآيتان بمنطوقهما ومفهومهما على النهي عن الإعجاب بالأموال والأولاد مجتمعين ومنفردين . وهنا " أن يعذبهم " ، وهناك ( ليعذبهم ) ، فأتى باللام مشعرة بالتعليل . ومفعول ( يريد ) محذوف ، أي : إنما يريد الله ابتلاءهم بالأموال والأولاد لتعذيبهم . وأتى بـ " أن " لأن مصب الإرادة هو التعذيب ، أي : إنما يريد الله تعذيبهم . فقد اختلف متعلق الفعل في الآيتين ، هذا الظاهر ، وإن كان يحتمل زيادة اللام والتعليل بـ " أن " ، وهناك ( الدنيا ) ، وهنا ( في الحياة الدنيا ) ، فأثبت ( في الحياة ) على الأصل ، وحذفت هنا تنبيها على خسة الدنيا ، وأنها لا تستحق أن تسمى حياة ، ولا سيما حين تقدمها ذكر موت المنافقين ، فناسب أن لا تسمى حياة .