قال : ( الزمخشري فاستأذنوك للخروج ) يعني إلى غزوة بعد غزوة تبوك ، وكان إسقاطهم من ديوان الغزاة عقوبة لهم على تخلفهم الذي علم الله تعالى أنه لم يدعهم إليه إلا النفاق ، بخلاف غيرهم من المخلفين . انتهى . وانتقل بالنفي من الشاق عليهم وهو الخروج إلى الغزاة ، إلى الأشق وهو قتال العدو ؛ لأنه عظم الجهاد وثمرة الخروج وموضع بارقة السيوف التي تحتها الجنة ، ثم [ ص: 81 ] علل انتفاء الخروج والقتال بكونهم رضوا بالقعود أول مرة ، ورضاهم ناشئ عن نفاقهم وكفرهم وخداعهم وعصيانهم أمر الله في قوله : ( انفروا خفافا وثقالا ) وقالوا هم : ( لا تنفروا في الحر ) ، فعلل بالمسبب وهو الرضا الناشئ عن السبب وهو النفاق . و ( أول مرة ) هي الخرجة إلى غزوة تبوك . و ( مرة ) مصدر ; كأنه قيل : أول خرجة دعيتم إليها ؛ لأنها لم تكن أول خرجة خرجها الرسول للغزاة ، فلا بد من تقييدها ؛ إذ الأولية تقتضي السبق . وقيل : التقدير : أول خرجة خرجها الرسول لغزوة الروم بنفسه . وقيل : ( أول مرة ) قبل الاستئذان . وقال أبو البقاء : ( أول مرة ) ظرف ، ونعني ظرف زمان ، وهو بعيد .
وقال : فإن قلت : ( مرة ) نكرة وضعت موضع المرات للتفضيل ، فلم ذكر اسم التفضيل المضاف إليها وهو دال على واحدة من المرات ؟ قلت : أكثر اللغتين هند أكبر النساء ، وهي أكبرهن . ثم إن قولك : هي كبرى امرأة - لا تكاد تعثر عليه ، ولكن هي أكبر امرأة ، وأول مرة وآخر مرة . انتهى . ( الزمخشري فاقعدوا مع الخالفين ) ، أي : أقيموا ، وليس أمرا بالقعود الذي هو نظير الجلوس ، وإنما المراد منعهم من الخروج معه . قال أبو عبيدة : الخالف الذي خلف بعد خارج فقعد في رحله ، وهو الذي يتخلف عن القوم . وقيل : الخالفين المخالفين ، من قولهم : عبد خالف ، أي : مخالف لمولاه . وقيل : الأخساء الأدنياء من قولهم : فلان خالفة قومه ; لأخسهم وأرذلهم . ودلت هذه الآية على توقي صحبة من يظهر منه مكر وخداع وكيد ، وقطع العلقة بينهما ، والاحتراز منه . وعن قتادة : ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلا . قال ابن عطية : والخالفون جميع من تخلف من نساء وصبيان وأهل عذر . غلب المذكر ، فجمع بالواو والنون ، وإن كان ثم نساء ، وهو جمع خالف . وقال قتادة : الخالفون النساء ، وهذا مردود . وقال : هم الرجال . وقال ابن عباس : يحتمل قوله في الحالتين أن يريد الفاسدين ، فيكون ذلك مأخوذا من خلف الشيء إذا فسد ، ومنه خلوف فم الصائم . وقرأ الطبري مالك بن دينار وعكرمة : ( مع الخالفين ) ، وهو مقصور من ( الخالفين ) كما قال : عددا وبددا يريد عاددا وباددا ، وكما قال الآخر :
مثل النقى لبده ضرب الظلل
يريد الظلال .