قال أبو التياح ، عن أنس : بني النجار فجاؤوا ، فقال : يا بني النجار ، ثامنوني بحائطكم هذا . قالوا : لا والله ، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله . فكان فيه ما أقول لكم : كان فيه قبور المشركين ، وكان فيه خرب ونخل . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت ، وبالخرب فسويت ، وبالنخل فقطع . فصفوا النخل قبلة ، وجعلوا عضادتيه حجارة ، وجعلوا ينقلون الصخر ، وهم يرتجزون ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم ، ويقولون :
اللهم لا خير إلا خير الآخره فانصر الأنصار والمهاجره
متفق عليه . وفي رواية : فاغفر فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملأ للأنصار .وقال عن موسى بن عقبة ، ابن شهاب ، في قصة بناء المسجد : فطفق هو وأصحابه ينقلون اللبن ، ويقول . وهو ينقل اللبن معهم :
هذا الحمال ، لا حمال خيبر هذا أبر - ربنا - وأطهر
اللهم لا خير إلا خير الآخره فارحم الأنصار والمهاجره
[ ص: 291 ] ذكره في صحيحه . البخاري
وقال صالح بن كيسان : حدثنا نافع أن عبد الله أخبره أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن ، وسقفه الجريد ، وعمده خشب النخل . فلم يزد فيه أبو بكر شيئا . وزاد فيه عمر ، وبناه على بنيانه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد ، وأعاد عمده خشبا . وغيره عثمان ، فزاد فيه زيادة كبيرة ، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة ، وجعل عمده من حجارة منقوشة ، وسقفه بالساج . أخرجه . البخاري
وقال حماد بن سلمة ، عن أبي سنان ، عن يعلى بن شداد ، عن عبادة ، أن الأنصار جمعوا مالا ، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ابن بهذا المسجد وزينه ، إلى متى نصلي تحت هذا الجريد ؟ فقال : ما بي رغبة عن أخي موسى ، عريش كعريش موسى .
وروي عن في قوله : " كعريش الحسن البصري موسى " ، قال : إذا رفع يده بلغ العريش ، يعني السقف .
وقال عبد الله بن بدر ، عن قيس بن طلق بن علي ، عن أبيه قال : بنيت مع النبي صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة ، فكان يقول : " قربوا اليمامي من الطين ، فإنه من أحسنكم به بناء .
وقال أبو سعيد الخدري : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخرجه " المسجد الذي أسس على التقوى مسجدي هذا . مسلم بأطول منه .
[ ص: 292 ] وقال صلى الله عليه وسلم : " مسجد الكعبة " . صحيح . صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا
أبو سعيد : كنا نحمل لبنة لبنة ، وعمار يحمل لبنتين لبنتين ، يعني في بناء المسجد ، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل ينفض عنه التراب ويقول : " ويح عمار ، تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار " أخرجه وقال دون قوله : " البخاري " ، وهي زيادة ثابتة الإسناد . تقتله الفئة الباغية
ونافق طائفة من الأوس والخزرج ، فأظهروا الإسلام مداراة لقومهم . فممن ذكر منهم : من أهل قباء : وكان أخوه الحارث بن سويد بن الصامت ، خلاد رجلا صالحا ، وأخوه الجلاس ، دون خلاد في الصلاح .
ومن المنافقين : نبتل بن الحارث ، وبجاد بن عثمان ، وأبو حبيبة بن الأزعر أحد من بنى مسجد الضرار ، وجارية بن عامر ، وابناه : زيد ومجمع وقيل : لم يصح عن مجمع النفاق ، وإنما ذكر فيهم لأن قومه جعلوه إمام مسجد الضرار وعباد بن حنيف ، وأخواه سهل وعثمان من فضلاء الصحابة .
[ ص: 293 ] ومنهم : بشر ، ورافع ، ابنا زيد ، ومربع ، وأوس ، ابنا قيظي . وحاطب بن أمية ، ورافع بن وديعة ، وزيد بن عمرو ، وعمرو بن قيس ، ثلاثتهم من بني النجار ، والجد بن قيس الخزرجي ، من بني جشم ، وعبد الله بن أبي بن سلول ، من بني عوف بن الخزرج ، وكان رئيس القوم .
وممن أظهر الإيمان من اليهود ونافق بعد : سعد بن حنيف ، وزيد بن اللصيت ، ورافع بن حرملة ، ورفاعة بن زيد بن التابوت ، وكنانة بن صوريا .
ومات فيها : البراء بن معرور السلمي أحد نقباء العقبة رضي الله عنه ، وهو أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة ، وكان كبير الشأن .
وتلاحق المهاجرون الذين تأخروا بمكة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يبق إلا محبوس أو مفتون ، ولم يبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلها ، إلا أوس الله ، وهم حي من الأوس ، فإنهم أقاموا على شركهم .
ومات فيها : الوليد بن المغيرة المخزومي والد خالد ، والعاص بن وائل السهمي والد عمرو بمكة على الكفر .
وكذلك : أبو أحيحة سعيد بن العاص الأموي توفي بماله بالطائف .
وفيها : أري الأذان عبد الله بن زيد ، وعمر بن الخطاب ، على ما رأيا . فشرع الأذان
وفي شهر رمضان عقد النبي صلى الله عليه وسلم لواء يعترض عيرا لحمزة بن عبد المطلب لقريش . وهو أول لواء عقد في الإسلام .
وفيها : بعث النبي صلى الله عليه وسلم حارثة وأبا رافع إلى مكة لينقلا بناته أم المؤمنين وسودة .
وفي ذي القعدة عقد لواء ليغير على حي من [ ص: 294 ] لسعد بن أبي وقاص ، بني كنانة أو بني جهينة . ذكره الواقدي .
وقال عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان ، عن عروة قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، فكان أول راية عقدها راية عبيدة بن الحارث .
وفيها : آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ، على المواساة والحق .
وقد روى ، عن أبو داود الطيالسي سليمان بن معاذ ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : المهاجرين والأنصار ، وورث بعضهم من بعض ، حتى نزلت : ( آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ( 75 ) ) [ الأنفال ] .
والسبب في قلة من توفي في هذا العام ، وما بعده من السنين ، أن المسلمين كانوا قليلين بالنسبة إلى من بعدهم ، فإن الإسلام لم يكن إلا ببعض الحجاز ، أو من هاجر إلى الحبشة . وفي خلافة عمر رضي الله عنه بل وقبلها انتشر الإسلام في الأقاليم ، فبهذا يظهر لك سبب قلة من توفي في صدر الإسلام ، وسبب كثرة من توفي في زمان التابعين فمن بعدهم .
وكان في هذا القرب أبو قيس بن الأسلت بن جشم بن وائل الأوسي الشاعر ، وكان يعدل بقيس بن الخطيم في الشجاعة والشعر ، وكان يحض الأوس على الإسلام ، وكان قبل الهجرة يتأله ويدعي الحنيفية ، ويحض قريشا على الإسلام ، فقال قصيدته المشهورة التي أولها :
أيا راكبا إما عرضت فبلغن مغلغلة عني لؤي بن غالب
[ ص: 295 ] أقيموا لنا دينا حنيفا ، فأنتمو لنا قادة ، قد يقتدى بالذوائب
روى الواقدي عن رجاله قالوا : خرج ابن الأسلت إلى الشام ، فتعرض آل جفنة فوصلوه ، وسأل الرهبان فدعوه إلى دينهم فلم يرده ، فقال له راهب : أنت تريد دين الحنيفية ، وهذا وراءك من حيث خرجت . ثم إنه قدم مكة معتمرا ، فلقي زيد بن عمرو بن نفيل ، فقص عليه أمره ، فكان أبو قيس بعد يقول : ليس أحد على دين إبراهيم إلا أنا وزيد . فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وقد أسلمت الخزرج والأوس ، إلا ما كان من أوس الله فإنها وقفت مع ابن الأسلت ، وكان فارسها وخطيبها ، وشهد يوم بعاث ، فقيل له : يا أبا قيس ، هذا صاحبك الذي كنت تصف . قال : رجل قد بعث بالحق . ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض عليه شرائع الإسلام ، فقال : ما أحسن هذا وأجمله ، أنظر في أمري . وكاد أن يسلم ، فلقيه عبد الله بن أبي ، فأخبره بشأنه فقال : كرهت والله حرب الخزرج . فغضب وقال : والله لا أسلم سنة . فمات قبل السنة .
فروى الواقدي عن ابن حبيبة ، عن عن أشياخه أنهم كانوا يقولون : لقد سمع يوحد عند الموت ، والله أعلم . داود بن الحصين ،