الزبيدي
الإمام القدوة العابد الواعظ أبو عبد الله ، محمد بن يحيى بن علي بن مسلم بن موسى بن عمران القرشي اليمني الزبيدي ، نزيل بغداد ، وجد المشايخ الرواة .
[ ص: 317 ] مولده سنة ستين وأربعمائة .
وقدم دمشق بعد الخمسمائة ، فوعظ بها ، وأخذ يأمر بالمعروف ، فلم يحتمل له الملك طغتكين ، وكان نحويا فقيرا قانعا متألها ، ثم قدم دمشق رسولا من المسترشد في شأن الباطنية ، وكان حنفيا سلفيا .
قال ابن هبيرة : جلست معه من بكرة إلى قريب الظهر وهو يلوك شيئا ، فسألته ، فقال : نواة أتعلل بها لم أجد شيئا .
قال كان يقول الحق وإن كان مرا ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، قيل : دخل على ابن الجوزي الوزير الزينبي وعليه خلعة الوزارة ، وهم يهنئونه ، فقال : هو ذا يوم عزاء ، لا يوم هناء ، فقيل : ولم ؟ قال : أهنئ على لبس الحرير ؟ !
قال : حدثني الفقيه ابن الجوزي عبد الرحمن بن عيسى ، سمعت الزبيدي قال : خرجت إلى المدينة على الوحدة ، فآواني الليل إلى جبل ، فصعدت ، وناديت : اللهم إني الليلة ضيفك . ثم نوديت : مرحبا بضيف الله ، إنك مع طلوع الشمس تمر بقوم على بئر يأكلون خبزا وتمرا ، فإذا دعوك فأجب ، فسرت من الغد ، فلاحت لي أهداف بئر ، فجئتها ، فوجدت عندها قوما يأكلون خبزا وتمرا ، فدعوني ، فأجبت .
قال السمعاني : كان يعرف النحو ، ويعظ ، ويسمع معنا من غير قصد من القاضي أبي بكر وغيره ، وكان فنا عجيبا ، وكان في أيام المسترشد [ ص: 318 ] يخضب بالحناء ، ويركب حمارا مخضوبا بالحناء ، وكان يجلس ويجتمع عنده العوام ، ثم فتر سوقه ، ثم إن الوزير ابن هبيرة رغب فيه ، ونفق عليه ، وسمعت جماعة يحكون عنه أشياء ؛ السكوت عنها أولى ، وقيل : كان يذهب إلى مذهب السالمية ، ويقول : إن الأموات يأكلون ويشربون وينكحون في قبورهم ، وإن الشارب والزاني لا يلام ، لأنه يفعل بقضاء الله وقدره .
قلت : يحتج بقصة آدم وموسى عليهما السلام ، وبقول آدم : أتلومني ؟ وأنه حج موسى ولو سلمنا أن الزاني لا يلام ، فعلينا أن نحده ونغربه ، ونذم فعله ، ونرد شهادته ، ونكرهه ، فإن تاب واتقى أحببناه واحترمناه ، فالنزاع لفظي .
قال : وسمعت علي بن عبد الملك يقول : زاد الزبيدي في أسماء الله أسامي : الزارع ، والمتمم ، والمبهم ، والمظهر .
قال : قال ولده ابن عساكر إسماعيل : كان أبي في كل يوم وليلة من أيام مرضه يقول : الله الله ، نحوا من خمسة عشر ألف مرة ، فما زال يقولها حتى طفيء .
وقال ابن شافع ، كان له في علم العربية والأصول حظ وافر ، وصنف في فنون العلم نحوا من مائة مصنف ولم يضيع شيئا من عمره ، وكان [ ص: 319 ] يخضب بالحناء ، ويعتم ملتحيا دائما ، حكيت لي عنه من جهات صحيحة غير كرامة ، منها رؤيته للخضر ، توفي في ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وخمسمائة - رحمه الله .