الإمام أمير المؤمنين أبو العباس أحمد ابن المقتدي بأمر الله أبي القاسم عبد الله ابن الذخيرة محمد ابن القائم بأمر الله عبد الله ابن القادر الهاشمي العباسي البغدادي .
مولده في شوال سنة سبعين وأربعمائة واستخلف عند وفاة أبيه في تاسع عشر المحرم ، وله ست عشرة سنة وثلاثة أشهر ، وذلك في سنة سبع وثمانين .
[ ص: 397 ] قال ابن النجار : كان موصوفا بالسخاء والجود ، ومحبة العلماء وأهل الدين ، والتفقد للمساكين ، مع الفضل والنبل والبلاغة ، وعلو الهمة ، وحسن السيرة ، وكان رضي الأفعال ، سديد الأقوال .
وحكى أبو طالب بن عبد السميع عن أبيه أن طلب من يصلي به ، ويلقن أولاده ، وأن يكون ضريرا ، فوقع اختياره على المستظهر بالله القاضي أبي الحسن المبارك بن محمد بن الدواس مقرئ واسط قبل القلانسي ، فكان مكرما له ، حتى إنه من كثرة إعجابه به كان أول رمضان قد شرع في التراويح ، فقرأ في الركعتين الأوليين آية آية ، فلما سلم ، قال له المستظهر : زدنا من التلاوة ، فتلا آيتين آيتين ، فقال له : زدنا ، فلم يزل حتى كان يقوم كل ليلة بجزء ، وإنه ليلة عطش ، فناوله الخليفة الكوز ، فقال خادم : ادع لأمير المؤمنين ، فإنه شرفك بمناولته إياك ، فقال : جزى العمى عني خيرا ، ثم نهض إلى الصلاة ، ولم يزد على ذلك .
وقال السلفي : قال لي أبو الخطاب ابن الجراح : صليت بالمستظهر في رمضان ، فقرأت : " إن ابنك سرق " [ يوسف : 81 ] رواية رويناها عن الكسائي ، فلما سلمت ، قال : هذه قراءة حسنة ، فيه تنزيه أولاد الأنبياء عن الكذب .
قلت : كيف بقولهم : فأكله الذئب وجاءوا على قميصه بدم كذب ؟ .
قال : حدثني ابن الجوزي محمد بن شاتيل المقرئ ، حدثني أبو [ ص: 398 ] سعد بن أبي عمامة قال : كنت ليلة جالسا في بيتي ، وقد نام الناس ، فدق الباب ، فإذا بفراش وخادم معه شمعة ، فقال : بسم الله ، فأدخلت على المستظهر ، وعليه أثر غم ، فأخذت في الحكايات والمواعظ وتصغير الدنيا ، وهو لا يتغير ، وأخذت في حكايات الكرام وغير ذلك ، فقلت : هذا لا ينام ، ولا يدعني أنام ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، لي مسألة ، قال : قل ، قلت : ولا تكتمني ؟ قال : لا ، قلت : بالله حل عليك نقدة للبائع ، أو انكسر زورقك ، أو وقعوا على قافلة لك ، وضاق وقتك ؟ عندي طبق خلاف أنا أقرضه لك ، وتبقى بارزيا في الدروب وما يخلي الله من رزق ، فهذا هم عظيم ، وقد مرستني الليلة . فضحك حتى استلقى ، وقال : قم ، فعل الله بك وصنع ، فقمت ، وتبعني الخادم بدنانير وتخت ثياب .
قيل : إن ابن مقلد العواد غنى المستظهر ، فسره ، فأعطاه مائتي دينار ، وقطعة كافور زنة ثلاثة أرطال مقمعة بذهب .
قال أبو طالب بن عبد السميع : كان من ألفاظ المستظهر : خير ذخائر المرء لدنياه ذكر جميل ، ولآخرته ثواب جزيل .
شح المرء بفلسه من دناءة نفسه .
الصبر على الشدائد ينتج الفوائد .
أدب السائل أنفع من الوسائل .
بضاعة العاقل لا تخسر ، وربحها يظهر في المحشر .
وله نظم حسن .
قال محمد بن عبد الملك الهمذاني : توفي سحر ليلة [ ص: 399 ] الخميس سادس عشرين ربيع الآخر ، سنة اثنتي عشرة وخمسمائة ومرض ثلاثة عشر يوما من تراق ظهر به ، وبلغ إحدى وأربعين سنة وستة أيام ، وكان لين الجانب ، كريم الخلائق ، مشكور المساعي ، إذا سئل مكرمة أجاب إليها ، وإذا ذكر بمثوبة تشوف نحوها . المستظهر بالله
وقيل : إنه أنشد قبل موته بقليل ، وبكى :
يا كوكبا ما كان أقصر عمره وكذاك عمر كواكب الأسحار
وفي أول خلافته جهز السلطان جيشا مع قسيم الدولة جد بركياروق بن ملكشاه نور الدين وبوزبان ، فالتقاهم تاج الدولة تتش بظاهر حلب ، فأسر قسيم الدولة ، وذبحه تتش ، وأخذ حلب بعد حصار ، وذبح بوزبان ، [ ص: 400 ] وسجن كربوقا ، وسار ، فتملك الجزيرة ، ثم خلاط ثم أذربيجان كلها ، واستفحل أمره ، وكبس عسكره بركياروق ، فانهزم ، وراحت خزائنه ، وذهب إلى أصبهان ، ففتحوا له خديعة ، فأمسكوه ، فمات أخوه صاحب أصبهان محمود ، وله سبع سنين بالجدري ، فملكوا بركياروق ، ووزر له المؤيد بن نظام الملك ، وجمع وحشد ، ومات صاحب مصر المستنصر ، وأمير الجيوش بدر ، ووالي مكة محمد بن أبي هاشم الذي نهب الوفد ، ثم التقى بركياروق وعمه تتش ، فقتل في المعركة تتش ، وتملك بعده دمشق ابنه دقاق شمس الملوك ، وقتل صاحب سمرقند أحمد خان ، وكان قد حسنوا له الإباحة ، وتزندق ، فقبض عليه الأمراء ، وشهدوا عليه ، فأفتى العلماء بقتله ، وملكوا ابن عمه .وقتل سنة تسعين صاحب مرو أرغون أخو السلطان ملكشاه ، وكان ظلوما جبارا ، قتله مملوك له ، وكان حاكما على نيسابور ، وبلخ أيضا ، تمرد وخرب أسوار بلاده .
وعصى نائب العبيدية بصور ، فجاء عسكر ، وحاصروها وافتتحوها ، وقتلوا بها خلقا ، منهم نائبها .
وجهز السلطان بركياروق جيشا مع أخيه سنجر ، فبلغهم قتل أرغون ، فلحقهم السلطان ، فتملك جميع خراسان ، وخطب له بسمرقند ، ودانت له الأمم ، فاستناب أخاه سنجر بخراسان ، وكان حدثا ، وأمر بركياروق على خوارزم محمد بن نوشتكين مولى السلجوقية ، وكان فاضلا أديبا عادلا ، ثم قام بعده ولده خوارزم شاه أتسز والد خوارزم شاه علاء الدين .
[ ص: 401 ] وفي سنة تسع كان أول ظهور الفرنج بالشام قدموا في بحر القسطنطينية في جمع كثير ، وانزعجت الملوك ، وعظم الخطب ، لا سيما ابن قتلمش صاحب الروم ، فالتقاهم ، فطحنوه .
وأما فقال : ابتداء دولتهم في سنة ( 478 ) ، فأخذوا ابن الأثير طليطلة وغيرها ، ثم صقلية ، وأخذوا بعض إفريقية ، وجمع ملكهم بغدوين جمعا ، وبعث يقول لرجار صاحب صقلية : أنا واصل إليك لنفتح إفريقية ، فبعث يقول : الأولى فتح القدس ، فقصدوا الشام .
وقيل : إن صاحب مصر لما رأى قوة آل سلجوق واستيلاءهم على الممالك ، كاتب الفرنج ، فمروا بسيس ، ونازلوا أنطاكية ، فخاف صاحبها ياغي بسان فأخرج النصارى إلى الخندق وحبسهم به ، فدام حصارها تسعة أشهر ، وفني الفرنج قتلا وموتا ، ثم إنهم عاملوا الزراد المقدم ، وبذلوا له مالا ، فكاشر لهم عن بدنه ففتحوا شباكا ، وطلعوا منه خمسمائة في الليل ، ففتح ياغي بسان ، وهرب ، واستبيح البلد - فإنا لله - في سنة إحدى وتسعين ، وسقطت قوة ياغي بسان أسفا ، وانهزم غلمانه ، فذبحه حطاب أرمني . ثم أخذوا المعرة ، فقتلوا وسبوا ، وتجمعت عساكر الموصل وغيرها ، فالتقوا ، فانهزم المسلمون ، واستشهد ألوف ، [ ص: 402 ] وصالحهم صاحب حمص ، وأقبل ابن أمير الجيوش ، فأخذ القدس من ابن أرتق ، وانتشرت الباطنية بأصبهان ، وتمت حروب مزعجة بين ملوك العجم ، وأخذت الفرنج بيت المقدس ، نصبوا عليه أربعين منجنيقا ، وهدوا سوره ، وجدوا في الحصار شهرا ونصفا ، ثم ملكوه من شماليه في شعبان سنة اثنتين وتسعين ، وقتلوا به نحوا من سبعين ألفا .
قال يوسف بن الجوزي والعهدة عليه : سارت الفرنج ، ومقدمهم كندفري في ألف ألف ، منهم خمسمائة ألف مقاتل ، وعملوا برجا من خشب ألصقوه بالسور ، حكموا به على البلد ، وسار الأفضل أمير الجيوش ، من مصر في عشرين ألفا نجدة ، فقدم عسقلان وقد استبيحت القدس ، ثم كبست الفرنج المصريين ، فهزموهم ، وانحاز الأفضل إلى عسقلان ، وتمزق جيشه ، وحوصر ، فبذل لهم أموالا ، فترحلوا عنه .
وتملك محمد بن ملكشاه ، فهزم أخاه بركياروق ، ثم حارب عسكر الموصل ، وجرت عجائب ، ثم فر بركياروق إلى خراسان ، وعسف ، وعمل مصافا مع أخيه سنجر ، فانهزم كل منهما ، ثم سار بركياروق على جرجان طالبا أصبهان .
والتقى ابن الدانشهد جيش الفرنج فنقل أنهم كانوا ثلاثمائة [ ص: 403 ] ألف ، فلم يفلت أحد منهم سوى ثلاثة آلاف . ابن الأثير
وكانت وقعة بين المصريين والفرنج على عسقلان ، فقتل مقدم المصريين سعد الدولة ، لكن انتصر المسلمون .
قال : فيقال : قتل من ابن الأثير الفرنج ثلاثمائة ألف .
قلت : هذه مجازفة عظيمة .
والتقى السلطان محمد بن ملكشاه وأخوه بركياروق مرات ، وغلت الأقطار بالباطنية ، وطاغوتهم الحسن بن الصباح المروزي الكاتب ، كان داعية لبني عبيد ، وتعانوا شغل السكين ، وقتلوا غيلة عدة من العلماء والأمراء ، وأخذوا القلاع ، وحاربوا ، وقطعوا الطرق ، وظهروا أيضا بالشام ، والتف عليهم كل شيطان ومارق ، وكل ماكر ومتحيل .
قال في " سر العالمين " : شاهدت قصة الغزالي الحسن بن الصباح لما تزهد تحت حصن الألموت ، فكان أهل الحصن يتمنون صعوده ، ويتمنع ويقول : أما ترون المنكر كيف فشا ، وفسد الناس ، فصبا إليه خلق ، وذهب أمير الحصن يتصيد ، فوثب على الحصن فتملكه ، وبعث إلى الأمير من قتله ، وكثرت قلاعهم ، واشتغل عنهم أولاد ملكشاه باختلافهم .
ولابن الباقلاني ، ، والغزالي وعبد الجبار المعتزلي كتب في فضائح هؤلاء .
قال : وفي سنة ( 494 ) أمر السلطان ابن الأثير بركياروق بقتل [ ص: 404 ] الباطنية ، وهم الإسماعيلية ، وهم الذين كانوا قديما يسمون القرامطة .
قال : وتجرد بأصبهان للانتقام منهم الخجندي وجمع الجم الغفير بالأسلحة ، وأمر بحفر أخاديد أوقدت فيها النيران ، وجعلوا يأتون بهم ، ويلقونهم في النار ، إلى أن قتلوا منهم خلقا كثيرا .
قال : وكان ابن صباح شهما ، عالما بالهندسة والنجوم والسحر من تلامذة ابن غطاش الطبيب الذي تملك قلعة أصبهان ، وممن دخل بمصر على المستنصر ، فأعطاه مالا ، وأمره بالدعوة لابنه نزار ، وهو الذي بعث من قتل نظام الملك ، وقد قتل صاحب كرمان أربعة آلاف لكونهم سنة ، واسمه تيرانشاه السلجوقي ، حسن له رأي الباطنية أبو زرعة الكاتب ، فانسلخ من الدين ، وقتل أحمد بن الحسين البلخي شيخ الحنفية ، فقام عليه جنده وحاربوه ، فذل ، وتبعه عسكر ، فقتلوه ، وقتلوا أبا زرعة ، وصارت الأمراء يلازمون لبس الدروع تحت الثياب خوفا من فتك هؤلاء الملاحدة ، وركب السلطان بركياروق في تطلبهم ، ودوخهم ، حتى قتل جماعة برآء ، سعى بهم الأعداء ، ودخل في ذلك أهل عانة ، واتهم إلكيا الهراسي بأنه منهم ، وحاشاه ، فأمر السلطان محمد بن ملكشاه بأن يؤخذ ، حتى شهدوا له بالخير ، فأطلق .
وفيها كسر دقاق صاحب دمشق الفرنج ، وحاصر صاحب القدس كندفري عكا ، فقتل بسهم ، وتملك أخوه بغدوين ، وأخذت الفرنج سروج [ ص: 405 ] بالسيف ، وأرسوف وحيفا بالأمان ، وقيسارية عنوة .
وفي سنة 495 مات المستعلي صاحب مصر ، وولي الآمر ، وكانت حروب بين الأخوين بركياروق ومحمد ، وبلاء وحصار ، ونازلت الفرنج طرابلس ، فسار للكشف عنها جند دمشق وحمص ، فانكسروا ، ثم التقى العسكر ، وبغدوين ، فهزموه ، وقل من نجا من أبطاله ، وظفر ثلاثة من الباطنية على جناح الدولة صاحب حمص ، فقتلوه في الجامع ، فنازلتها الفرنج ، فصولحوا على مال ، وتسلمها شمس الملوك ، وقتلت الباطنية الأعز ، وزير بركياروق ، ومات كربوقا صاحب الموصل بخوي ، وقد استولى على أكثر أذربيجان .
وخطب سنجر بخراسان لأخيه محمد ، وحارب قدرخان صاحب ما وراء النهر ، فأسره سنجر وقتله ، وملك ابن بغراجان سمرقند ، ونازل المسلمون بلنسية ، واسترجعوها من الفرنج بعد أن تملكوها ثمانية أعوام ، ثم راحت من المسلمين في سنة ( 636 ) .
وفي سنة ست وتسعين سار شمس الملوك ، فحاصر الرحبة ، وأخذها ، وجاء عسكر مصر ، فالتقوا الفرنج بيافا ، وخذلت الفرنج ، وتصالح بركياروق وأخوه ، وملوا من الحرب ، وتحالفوا ، وطال حصار الفرنج لطرابلس ، وأخذوا جبيل ، وأخذوا عكا ، ونازلوا حران ، فجاء العسكر ، ووقع المصاف ، ونزل النصر ، وأبيدت الملاعين ، وبلغت [ ص: 406 ] قتلاهم اثني عشر ألفا ومات شمس الملوك دقاق ، وتملك ولده بدمشق ، وأتابكه طغتكين .
وفي سنة ثمان وتسعين مات بركياروق ، وسلطنوا ابنه ملكشاه وهو صبي والتقى المسلمون والفرنج ، فأصيب المسلمون ، ثم قدم عسكر مصر ، وانضم إليهم عسكر دمشق ، فكان المصاف مع بغدوين عند عسقلان ، وثبت الفريقان ، وقتل من الفرنج فوق الألف ، ومن المسلمين مثلهم ، ثم تحاجزوا ، وفيها تمكن السلطان محمد وبسط العدل .
وفي سنة ( 496 ) كبس الأتابك طغتكين الفرنج بالأردن ، فقتل وأسر ، وزينت دمشق ، وأخذ من الفرنج حصنين .
واستولت الإسماعيلية على فامية ، وقتلوا صاحبها ابن ملاعب ، وكان جبارا يقطع الطريق .
وفي سنة خمسمائة مات صاحب المغرب والأندلس يوسف بن تاشفين ، وتملك بعده ابنه علي ، وكان يخطب لبني العباس ، وجاءته خلع السلطنة والألوية ، وكان أنشأ مراكش .
وقتل واحد من الإسماعيلية فخر الملك بن نظام الملك ، وزر لبركياروق ، ثم لسنجر .
[ ص: 407 ] وقبض محمد على وزيره سعد الملك ، وصلبه بأصبهان ، واستوزر أحمد بن نظام الملك .
وقتل مقدم الإسماعيلية بقلعة أصبهان أحمد بن غطاش ، قال : قتل أتباعه خلقا لا يمكن إحصاؤهم . . . إلى أن قال : وخرب ابن الأثير السلطان محمد القلعة ، وكان أبوه ملكشاه أنشأها على جبل ، يقال : غرم عليها ألفي ألف دينار وزيادة ، فتحيل ابن غطاش حتى تملكها ، وبقي بها اثنتي عشرة سنة .
وعزل المستظهر وزيره أبا القاسم بن جهير ، ووزر هبة الله بن المطلب .
وغرق ملك قونية قلج رسلان بن سليمان بن قتلمش السلجوقي .
وفي سنة إحدى وخمسمائة مات صاحب الحلة ملك العرب الذي أنشأ الحلة على الرفض ، قتل في وقعة بينه وبين سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس الأسدي السلطان محمد بن ملكشاه .
وفيها سار طغتكين في جند دمشق ، فهزم الفرنج ، وأسر صاحب طبرية جرماس ، وحاصر بغدوين الكلب صور ، وبنى بإزائها حصنا ، ثم بذل له [ ص: 408 ] أهلها سبعة آلاف دينار ، فترحل عنهم .
وفي سنة اثنتين سار طغتكين في ألفين ، فالتقى الفرنج ، فانهزم جمعه ، وثبت هو ، ثم تراجعوا إليه ، ونصروا ، وأسروا قومصا ، بذل في نفسه جملة ، فأبى طغتكين وذبحه ، ثم هادن بغدوين أربعة أعوام .
وفيها تزوج المستظهر بأخت السلطان محمد على مائة ألف دينار .
وفيها أخذت الإسماعيلية شيزر بحيلة ، فرجع صاحبها من موكبه ، فوجد بلده قد راح منه ، فيعمد نساؤه من القلة فدلوا حبالا ، واستقوه وأجناده ، فوقع القتال ، واستحر القتل بالملاحدة ، وكانوا مائة ، قد خدم أكثرهم حلاجين في شيزر ، فما نجا منهم أحد ، وقتل من الأجناد عدة .
وفي سنة ثلاث أخذت طرابلس في آخر السنة بعد حصار ست سنين أخذوها بأبراج خشب صنعت وألصقت بسورها ، وأخذوا بانياس ، وجبيل بالأمان ، ثم طرسوس ، وحصن الأكراد .
وفي سنة خمس تناحب عساكر العراق والجزيرة ، وأقبلوا لغزو الفرنج ، وعدوا الفرات ، فقل ما نفعوا ، ثم رجعوا والأعداء تجول في الشام .
[ ص: 409 ] وتمت بالأندلس غزوة كبرى - نصر الله - وانحطمت الفرنج ، وقتل ابن ملكهم .
وفي سنة ست مات بسيل ملك الأرمن ، فسار صاحب أنطاكية تنكري ليتملك سيس ، فمرض ، ومات .
ومات قراجا صاحب حمص ، فتملك ابنه خيرخان .
وفي أول سنة سبع أقبل عسكر الجزيرة نجدة لطغتكين ، فالتقوا الفرنج بالأردن ، وصبر الفريقان ، ثم استحر القتل بالفرنج ، وأسر طاغيتهم بغدوين ، لكن أساء الذي أسره ، فشلحه ، وأطلقه جريحا ، ثم تراجع العدو ، وجاءتهم نجدة ، فعملوا المصاف من الغد ، وحمي القتال ، وطاب الموت ، وتحصن الكلاب بجبل ، فرابط الجيش بإزائهم يترامون بالنشاب ويقتتلون ، فدام ذلك كذلك ستة وعشرين صباحا حتى عدمت الأقوات ، وتحاجز الجمعان .
وفيها وثب باطني بجامع دمشق على صاحب الموصل مودود بن [ ص: 410 ] ألتونتكين فقتله ، وهو قد صلى الجمعة مع طغتكين ، وأحرق الباطني .
قال ابن القلانسي في " تاريخه " قام هو وطغتكين حولهما الترك والأحداث بأنواع السلاح من الصوارم والصمصامات والخناجر المجردة ، كالأجمة المشتبكة ، فوثب رجل لا يؤبه له ، ودعا لمودود ، وشحذ منه ، وقبض بند قبائه ، وضربه تحت سرته ضربتين ، والسيوف تنزل عليه ، ودفن بخانقاه الطواويس ، ثم نقل ، وكان بطبرية مصحف أرسله عثمان رضي الله عنه إليها ، فنقله طغتكين إلى جامع دمشق .
وفيها تملك حلب أرسلان بن رضوان السلجوقي بعد أبيه ، وقتل أخويه ، ورأس الإسماعيلية أبا طاهر الصائغ ، وعدة منهم .
وفي سنة ثمان وخمسمائة هلك بغدوين من جرحه .
وقتلت الباطنية صاحب مراغة أحمديل .
وتخنزرت الفرنج في سنة تسع ، وعاثوا بالشام ، وأخذوا رفنية فساق طغتكين ، واستنقذها ، وكان قد عصى على السلطان ، وحارب بعض عسكره ، فندم ، وسار بنفسه إلى العراق بتحف سنية ، فرأى من الاحترام [ ص: 411 ] فوق آماله ، وكتبوا له تقليدا بإمرة الشام كله .
وفي سنة عشر قدم البرسقي صاحب الموصل إلى الشام غازيا ، وسار معه طغتكين ، فكبسوا الفرنج ، ونزل النصر ، فقتل ألوف من الفرنج ، واستحكمت المودة بين البرسقي وبين صاحب دمشق .
وفي سنة إحدى عشرة كبست الفرنج حماة ، وقتلوا مائة وعشرين رجلا وبدعوا ، وجاء سيل هدم سور سنجار ، وغرق خلائق ، وأخذ باب المدينة ، ثم ظهر تحت الرمل بعد سنين على مسيرة بريد ، وسلم مولود في سريره عام به ، وتعلق في زيتونة .
وفيها تسلطن السلطان محمود بعد أبيه محمد ، وأنفقت خزائن أبيه في العساكر ، فقيل : كانت أحد عشر ألف ألف دينار .
وتوفي عن سبعة بنين ، وصلى عليه ابنه المستظهر بالله المسترشد بالله .
[ ص: 412 ] وبعده ماتت جدته لأبيه أرجوان الأرمنية ، وقد رأت ابنها خليفة ، وابن ابنها ، وابن ابن ابنها ، وما اتفق هذا لسواها .