الإمام ، العلامة ، الحافظ ، القدوة ، العابد ، شيخ الحرم أبو القاسم ، سعد بن علي بن محمد بن علي بن الحسين ، الزنجاني ، الصوفي .
ولد سنة ثمانين وثلاثمائة تقريبا .
وسمع أبا عبد الله بن نظيف ، والحسين بن ميمون الصدفي ، وعدة بمصر ، وعلي بن سلامة بغزة ، ومحمد بن أبي عبيد بزنجان ، وعبد الرحمن بن ياسر الجوبري ، وعبد الرحمن بن الطبيز الحلبي ، وطبقتهما بدمشق .
حدث عنه : أبو بكر الخطيب - وهو أكبر منه - وأبو المظفر منصور بن عبد الجبار السمعاني ، ومكي الرميلي ، وهبة الله بن فاخر ، ومحمد بن طاهر الحافظ ، وعبد المنعم بن القشيري ، ومختار بن علي الأهوازي ، وآخرون .
قال : قال لي شيخ : كان جدك أبو سعد السمعاني أبو المظفر عزم على المجاورة في صحبة سعد الإمام ، فرأى والدته كأنما كشفت رأسها تقول : يا [ ص: 386 ] بني ، بحقي عليك إلا ما رجعت إلي ، فإني لا أطيق فراقك . قال : فانتبهت مغموما ، وقلت : أشاور الشيخ ، فأتيت سعدا ، ولم أقدر من الزحام أن أكلمه ، فلما قام تبعته ، فالتفت إلي ، وقال : يا أبا المظفر ، العجوز تنتظرك . ودخل بيته ، فعلمت أنه كاشفني ، فرجعت تلك السنة .
وعن ثابت بن أحمد قال : رأيت أبا القاسم الزنجاني في النوم يقول لي مرة بعد أخرى : إن الله يبني لأهل الحديث بكل مجلس يجلسونه بيتا في الجنة .
قال أبو سعد : كان سعد حافظا متقنا ، ثقة ، ورعا ، كثير العبادة ، صاحب كرامات وأيات ، وإذا خرج إلى الحرم يخلو المطاف ، ويقبلون يده أكثر مما يقبلون الحجر الأسود .
وقال ابن طاهر : ما رأيت مثله ، وسمعت أبا إسحاق الحبال يقول : لم يكن في الدنيا مثل سعد بن علي في الفضل ، كان يحضر معنا المجالس ، ويقرأ بين يديه الخطأ ، فلا يرد ، إلا أن يسأل فيجيب .
قال ابن طاهر : وسمعت الفقيه هياج بن عبيد إمام الحرم ومفتيه يقول : يوم لا أرى فيه سعدا لا أعتد أني عملت خيرا . وكان هياج يعتمر في اليوم ثلاث عمر . [ ص: 387 ]
قال ابن طاهر : لما عزم سعد على المجاورة ، عزم على نيف وعشرين عزيمة ، أن يلزمها نفسه من المجاهدات والعبادات ، فبقي به أربعين سنة لم يخل بعزيمة منها . وكان يملي بمكة في بيته - يعني خوفا من دولة العبيدية .
قال ابن طاهر : دخلت عليه وأنا ضيق الصدر من شيرازي ، فقال لي من غير أن أعلمه : لا تضيق صدرك ، في بلادنا يقال : بخل أهوازي ، وحماقة شيرازي ، وكثرة كلام رازي . وأتيته وقد عزمت على الخروج إلى العراق ، فقال :
أراحلون فنبكي أم مقيمونا ؟
فقلت : ما يأمر الشيخ ؟ فقال : تدخل خراسان ، وتفوتك مصر ، فيبقى في قلبك منها . اخرج إلى مصر ، ثم منها إلى العراق وخراسان ، فإنه لا يفوتك شيء . فكان في رأيه البركة ، وسمعته وجرى بين يديه " صحيح " أبي ذر فقال : فيه عن أبي مسلم الكاتب ، وليس من شرط " الصحيح " .
قلت : لسعد قصيدة في قواعد أهل السنة ، وهي :
تدبر كلام الله واعتمد الخبر ودع عنك رأيا لا يلائمه أثر
ونهج الهدى فالزمه واقتد بالألى هم شهدوا التنزيل علك تنجبر
وكن موقنا أنا وكل مكلف أمرنا بقفو الحق والأخذ بالحذر [ ص: 388 ]
وحكم فيما بيننا قول مالك قدير حليم عالم الغيب مقتدر
سميع بصير واحد متكلم مريد لما يجري على الخلق من قدر
فمن خالف الوحي المبين بعقله فذاك امرؤ قد خاب حقا وقد خسر
وفي ترك أمر المصطفى فتنة فذر خلاف الذي قد قاله واتل واعتبر
قال أبو الحسن الكرجي الشافعي : سألت ابن طاهر عن أفضل من رأى ، فقال : سعد الزنجاني ، وعبد الله بن محمد الأنصاري . قلت : فأيهما كان أعرف بالحديث ؟ فقال : كان الأنصاري متفننا ، وأما الزنجاني فكان أعرف بالحديث منه ، كنت أقرأ على الأنصاري ، فأترك شيئا لأجربه ، ففي بعض يرد ، وفي بعض يسكت ، وكان الزنجاني إذا تركت اسم رجل يقول : أسقطت فلانا .
قال السمعاني : كان سعد أعرف بحديثه لقلته ، وكان عبد الله مكثرا .
سئل إسماعيل بن محمد التيمي الحافظ عن سعد الزنجاني ، فقال : إمام كبير ، عارف بالسنة .
توفي الزنجاني في أول سنة إحدى وسبعين وأربعمائة وله تسعون عاما ، ولو أنه سمع في حداثته للحق إسنادا عاليا ، ولكنه سمع في الكهولة .
أخبرنا أبو بكر بن عمر النحوي ، أخبرنا الحسن بن أحمد الزاهد ، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ ، أخبرنا مختار بن علي المقرئ سنة خمس [ ص: 389 ] مائة ، أخبرنا سعد بن علي الحافظ ، أخبرنا عبد الحميد بن عبد القاهر الأرسوفي ، أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد بن عبد الرحيم القيسراني ، حدثني عمي أحمد بن عبد الرحيم ، حدثنا أحمد بن إسماعيل البزاز ، حدثنا عبد الله بن هانئ ، حدثنا أبي ، عن ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن أم الدرداء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي الدرداء . من أصبح معافى في بدنه ، آمنا في سربه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا
هذا حديث غريب ، ولا أعرف حال هانئ .
ومن قصيدة الزنجاني :
وما أجمعت فيه الصحابة حجة وتلك سبيل المؤمنين لمن سبر
ففي الأخذ بالإجماع - فاعلم - سعادة كما في شذوذ القول نوع من الخطر