عامر بن عبد قيس
القدوة الولي الزاهد أبو عبد الله ، ويقال : أبو عمرو التميمي ، العنبري ، البصري .
روى عن عمر وسلمان . وعنه : الحسن ، ، ومحمد بن سيرين وأبو عبد الرحمن الحبلي وغيرهم ، وقلما روى .
قال العجلي : كان ثقة من عباد التابعين ، رآه كعب الأحبار فقال : هذا راهب هذه الأمة .
وقال أبو عبيد في " القراءات " : كان عامر بن عبد الله -الذي يعرف بابن عبد قيس - يقرئ الناس .
حدثنا عباد : عن يونس ، عن الحسن ، أن عامرا كان يقول : من أقرئ؟ فيأتيه ناس ، فيقرئهم [ القرآن ] ثم يقوم فيصلي إلى الظهر ، ثم يصلي [ ص: 16 ] إلى العصر ، ثم يقرئ الناس إلى المغرب ، ثم يصلي ما بين العشاءين ثم ينصرف إلى منزله ، فيأكل رغيفا ، وينام نومة خفيفة ، ثم يقوم لصلاته ، ثم يتسحر رغيفا ويخرج .
قال بلال بن سعد : وشي بعامر بن عبد قيس إلى زياد ، فقالوا : هاهنا رجل قيل له : ما إبراهيم -عليه السلام- خيرا منك فسكت ، وقد ترك النساء . فكتب فيه إلى عثمان ، فكتب إليه : انفه إلى الشام على قتب . فلما جاءه الكتاب ، أرسل إلى عامر ، فقال : أنت قيل لك : ما إبراهيم خيرا منك فسكت؟ ! قال : أما والله ، ما سكوتي إلا تعجب ، ولوددت أني غبار قدميه .
قال : وتركت النساء؟ قال : والله ما تركتهن إلا أني قد علمت أنه يجيء الولد وتشعب في الدنيا ، فأحببت التخلي . فأجلاه على قتب إلى الشام ، فأنزله معاوية معه في الخضراء وبعث إليه بجارية ، وأمرها أن تعلمه ما حاله . فكان يخرج من السحر ، فلا تراه إلا بعد العتمة فيبعث معاوية إليه بطعام ، فلا يعرض له ، ويجيء معه بكسر ، فيبلها ويأكل ، ثم يقوم إلى أن يسمع النداء فيخرج ، فكتب معاوية إلى عثمان يذكر حاله . فكتب : اجعله أول داخل وآخر خارج ، ومر له بعشرة من الرقيق ، وعشرة من الظهر ، فأحضره وأخبره ، فقال : إن علي شيطانا قد غلبني ; فكيف أجمع علي عشرة . وكانت له بغلة .
[ ص: 17 ] فروى بلال بن سعد ، عمن رآه بأرض الروم عليها ، يركبها عقبة ، ويحمل المهاجرين عقبة قال بلال : كان إذا فصل غازيا يتوسم من يرافقه ، فإذا رأى رفقة تعجبه ، اشترط عليهم أن يخدمهم ، وأن يؤذن ، وأن ينفق عليهم طاقته ، رواه ابن المبارك بطوله في " الزهد " : له .
همام : عن قتادة ، قال : كان عامر بن عبد قيس يسأل ربه أن ينزع شهوة النساء من قلبه ، فكان لا يبالي أذكرا لقي أم أنثى . وسأل ربه أن يمنع قلبه من الشيطان وهو في الصلاة فلم يقدر عليه . وقيل : إن ذلك ذهب عنه .
وعن أبي الحسين المجاشعي ، قال : قيل لعامر بن عبد قيس : أتحدث نفسك في الصلاة؟ قال : أحدثها بالوقوف بين يدي الله ، ومنصرفي .
وعن كعب ، أنه رأى بالشام عامر بن عبد قيس ، فقال : هذا راهب هذه الأمة .
قال أبو عمران الجوني : قيل لعامر بن عبد قيس : إنك تبيت خارجا ، أما تخاف الأسد !؟ قال : إني لأستحيي من ربي أن أخاف شيئا دونه . وروى همام عن قتادة مثله .
حماد : عن أيوب ، عن أبي قلابة ، لقي رجل عامر بن عبد قيس ، فقال : ما هذا؟ ألم يقل الله : وجعلنا لهم أزواجا وذرية ؟ قال : أفلم يقل الله تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون .
[ ص: 18 ] وقيل : كان عامر لا يزال يصلي من طلوع الشمس إلى العصر ، فينصرف وقد انتفخت ساقاه فيقول : يا أمارة بالسوء ; إنما خلقت للعبادة .
وهبط واديا به عابد حبشي ، فانفرد يصلي في ناحية ، والحبشي في ناحية ، أربعين يوما لا يجتمعان إلا في فريضة .
محمد بن واسع : عن يزيد بن الشخير ، أن عامرا كان يأخذ عطاءه ، فيجعله في طرف ثوبه ، فلا يلقى مسكينا إلا أعطاه ، فإذا دخل بيته ، رمى به إليهم ، فيعدونها فيجدونها كما أعطيها .
جعفر بن برقان : حدثنا ، أن ميمون بن مهران عامر بن عبد قيس بعث إليه أمير البصرة : ما لك لا تزوج النساء؟ قال : ما تركتهن وإني لدائب في الخطبة . قال : وما لك لا تأكل الجبن؟ قال : إنا بأرض فيها مجوس ، فما شهد مسلمان أن ليس فيه ميتة أكلته . قال : وما يمنعك أن تأتي الأمراء؟ قال : إن لدى أبوابكم طلاب الحاجات ، فادعوهم واقضوا حاجاتهم ، ودعوا من لا حاجة له إليكم .
قال مالك بن دينار : حدثني فلان ، أن عامرا مر في الرحبة ، وإذا رجل يظلم ، فألقى رداءه وقال : لا أرى ذمة الله تخفر وأنا حي ، فاستنقذه .
ويروى أن سبب إبعاده إلى الشام ، كونه أنكر وخلص هذا الذمي .
[ ص: 19 ] قال جعفر بن سليمان : حدثنا الجريري قال : لما سير عامر بن عبد الله -الذي يقال له : ابن عبد قيس - شيعه إخوانه ، وكان بظهر المربد ، فقال : إني داع فأمنوا : اللهم من وشى بي ، وكذب علي وأخرجني من مصري ، وفرق بيني وبين إخواني ، فأكثر ماله ، وأصح جسمه وأطل عمره .
قال : بعث الحسن البصري بعامر بن عبد قيس إلى الشام ، فقال : الحمد لله الذي حشرني راكبا .
قال قتادة : لما احتضر عامر بكى ، فقيل : ما يبكيك؟ قال : ما أبكي جزعا من الموت ، ولا حرصا على الدنيا ، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر ، وقيام الليل .
وروى عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه ، أن قبر عامر بن عبد قيس ببيت المقدس .
وقيل : توفي في زمن معاوية .