الإمام المقرئ المحقق المحدث الحافظ الأثري ، أبو عمر ; أحمد بن [ ص: 567 ] محمد بن عبد الله بن أبي عيسى لب بن يحيى ، المعافري الأندلسي الطلمنكي . وطلمنك بفتحات ونون ساكنة : مدينة استولى عليها العدو قديما .
كان من بحور العلم ، وأول سماعه في سنة اثنتين وستين وثلاثمائة .
حدث عن : أبي عيسى يحيى بن عبد الله الليثي ، وأبي بكر الزبيدي ، وأبي الحسن بن بشر الأنطاكي ، وأبي جعفر أحمد بن عون الله وأبي عبد الله بن مفرج ، وأبي محمد الباجي ، وخلف بن محمد الخولاني ، وعدة ، وأبي بكر أحمد بن محمد المهندس بمصر ، ومحمد بن يحيى بن عمار بدمياط ، وأبي الطيب بن غلبون ، وأبي القاسم عبد الرحمن الجوهري ، وأبي بكر محمد بن علي الأدفوي ، والفقيه أبي محمد بن أبي زيد ، وأبي جعفر أحمد بن رحمون ، ويحيى بن الحسين المطلبي لقيه بالمدينة ، وأبي الطاهر محمد بن محمد العجيفي ، وأبي العلاء بن ماهان ، وخلق كثير .
حدث عنه : أبو عمر بن عبد البر ، ، وأبو محمد بن حزم وعبد الله بن سهل المقرئ وعدة .
أدخل الأندلس علما جما نافعا ، وكان عجبا في حفظ علوم القرآن : قراءاته ولغته وإعرابه وأحكامه ومنسوخه ومعانيه . صنف كتبا كثيرة في السنة يلوح فيها فضله وحفظه وإمامته واتباعه للأثر .
قال أبو عمرو الداني : أخذ القراءة عن الأنطاكي ، وابن غلبون ، ومحمد بن الحسين بن النعمان . [ ص: 568 ]
قال : وكان فاضلا ضابطا ، شديدا في السنة .
وقال ابن بشكوال : كان سيفا مجردا على أهل الأهواء والبدع ، قامعا لهم ، غيورا على الشريعة ، شديدا في ذات الله ، أقرأ الناس محتسبا ، وأسمع الحديث ، والتزم للإمامة بمسجد منعة ثم خرج ، وتحول في الثغر ، وانتفع الناس بعلمه ، وقصد بلده في آخر عمره ، فتوفي بها . أخبرنا إسماعيل بن عيسى بن محمد بن بقي الحجاري ، عن أبيه قال : خرج أبو عمر الطلمنكي علينا ، ونحن نقرأ عليه ، فقال : رأيت البارحة في منامي من ينشدني :
اغتنموا البر بشيخ ثوى ترحمه السوقة والصيد قد ختم العمر بعيد مضى
ليس له من بعده عيد
قلت : عاش تسعين عاما سوى أشهر ، وقد امتحن لفرط إنكاره ، وقام عليه طائفة من أضداده ، وشهدوا عليه بأنه حروري يرى وضع السيف ، في صالحي المسلمين ، وكان الشهود عليه خمسة عشر فقيها ، فنصره قاضي سرقسطة في سنة خمس وعشرين وأربعمائة ، وأشهد على نفسه بإسقاط الشهود ، وهو القاضي محمد بن عبد الله بن قرنون . [ ص: 569 ]
وحدث عنه أيضا قاضي سرقسطة عبد الله بن محمد بن إسماعيل ، وقاضي المرية محمد بن خلف بن المرابط ، والخطيب محمد بن يحيى العبدري .
رأيت له كتابا في السنة في مجلدين عامته جيد ، وفي بعض تبويبه ما لا يوافق عليه أبدا مثل : باب الجنب لله ، وذكر فيه : يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله فهذه زلة عالم ، وألف كتابا في الرد على الباطنية ، فقال : ومنهم قوم تعبدوا بغير علم ، زعموا أنهم يرون الجنة كل ليلة ، ويأكلون من ثمارها ، وتنزل عليهم الحور العين ، وأنهم يلوذون بالعرش ، ويرون الله بغير واسطة ، ويجالسونه .