[ ص: 230 ] المستنصر
الملقب بأمير المؤمنين المستنصر بالله أبو العاص الحكم بن الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد الأموي المرواني ، صاحب الأندلس وابن ملوكها .
وكانت دولته ست عشرة سنة ، وعاش ثلاثا وستين سنة .
وكان جيد السيرة ، وافر الفضيلة ، مكرما للوافدين عليه ، ذا غرام بالمطالعة وتحصيل الكتب النفيسة الكثيرة حقها وباطلها بحيث إنها قاربت نحوا من مائتي ألف سفر ، وكان ينطوي على دين وخير .
سمع من ، قاسم بن أصبغ وأحمد بن دحيم ، ومحمد بن محمد بن عبد السلام الخشني ، وزكريا بن خطاب ، وطائفة .
وأجاز له ثابت بن قاسم السرقسطي .
وكان باذلا للذهب في استجلاب الكتب ، ويعطي من يتجر فيها ما شاء ، حتى ضاقت بها خزائنه ، لا لذة له في غير ذلك .
[ ص: 231 ] وكان عالما أخباريا ، وقورا ، نسيج وحده .
وكان على نمطه أخوه عبد الله - الملقب بالولد - في محبة العلم ، فقتل في أيام أبيه .
وكان الحكم موثقا في نقله ، قل أن تجد له كتابا إلا وله فيه نظر وفائدة ، ويكتب اسم مؤلفه ونسبه ومولده ، ويغرب ويفيد .
ومن محاسنه أنه شدد في الخمر في ممالكه ، وأبطله بالكلية ، وأعدمه .
وكان يتأدب مع العلماء والعباد ، التمس من زاهد الأندلس أبي بكر يحيى بن مجاهد الفزاري أن يأتي إليه ، فامتنع ، فمر في موكبه بيحيى وسلم عليه ، فرد عليه ، ودعا له ، وأقبل على تلاوته ، ومر بحلقة شيخ القراء أبي الحسن الأنطاكي ، فجلس ومنعهم من القيام له ، فما تحرك أحد .
مات بقصر قرطبة في صفر سنة ست وستين وثلاثمائة .
وبويع ابنه هشام وله تسع سنين أو أكثر ولقب بالمؤيد بالله ، فكان ذلك سببا لتلاشي دولة المروانية ، ولكن سدد أمر المملكة الحاجب الملقب بالمنصور أبي عامر محمد بن عبد الله بن أبي عامر القحطاني ، وإليه كان العقد والحل ، فساس أتم سياسة .
وقد تقدم المستنصر مع جدهم الداخل أيضا .