الإمام العالم المسند المحدث قاضي القضاة أبو الطاهر محمد [ ص: 205 ] بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير الذهلي البغدادي المالكي ، قاضي الديار المصرية .
ولد سنة تسع وسبعين ومائتين وسمع وهو ابن تسع سنين .
حدث عن ، بشر بن موسى الأسدي ، وأبي مسلم الكجي وأبي شعيب الحراني ، ويوسف بن يعقوب القاضي ، وعمر بن حفص السدوسي ، وأبي خليفة الفضل بن الحباب الجمحي ، وخلف بن عمرو العكبري ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة ، وموسى بن هارون الحمال ، ومحمد بن يحيى المروزي ، ومحمد بن عبدوس بن كامل ، وجعفر بن محمد الفريابي ، والحسن بن علي بن الوليد الفسوي ، وأحمد بن أبي عوف البزوري ، وأحمد بن عمرو القطراني ، وموسى بن زكريا ، وأبي العباس ثعلب ، وأمثالهم .
وكان ثقة في الحديث .
انتقى عليه نحوا من مائة جزء ، وحدث عنه هو الدارقطني وتمام الرازي ، وعبد الغني بن سعيد الأزدي ، وأبو العباس ابن الحاج الإشبيلي ، ومحمد بن الفضل بن نظيف ، وأبو الحسن القابسي ، ومحمد بن الحسين الطفال ، وعلي بن منير الخلال ، وخلق سواهم .
وثقه أبو بكر الخطيب .
قال : أخبرنا ابن ماكولا أبو القاسم بن ميمون الصدفي ، أخبرنا عبد الغني الحافظ قال : قرأت على القاضي أبي الطاهر كتاب " العلم " ليوسف [ ص: 206 ] القاضي ، فلما فرغ ، قلت : كما قرئ عليك ؟ قال : نعم ، إلا اللحنة بعد اللحنة . قلت : أيها القاضي ، فسمعته معربا ؟ قال : لا . فقلت : هذه بهذه . وقمت من ليلتي فجلست عند اليتيم النحوي .
قال طلحة بن محمد بن جعفر : استقضى المتقي لله في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة أبا الطاهر محمد بن أحمد الذهلي ، وله أبوة في القضاء ، سديد المذهب ، متوسط الفقه على مذهب مالك ، وكان له مجلس يجتمع إليه المخالفون ويناظرون بحضرته ، وكان يتوسط بينهم ويتكلم بكلام سديد ، ثم صرف بعد أربعة أشهر ، ثم استقضي على الشرقية في سنة أربع وثلاثين ، وعزل بعد أشهر .
قال عبد الغني : سألت أبا الطاهر عن أول ولايته القضاء ، فقال : سنة عشر وثلاثمائة . وقد كان ولي البصرة . وقال لي : كتبت العلم سنة ثمان وثمانين ومائتين .
قال عبد الغني : وقد قرأ القرآن وهو ابن ثمان سنين ، وكان مفوها ، حسن البديهة ، شاعرا ، علامة ، حاضر الحجة ، عارفا بأيام الناس ، غزير المحفوظ ، لا يمله جليسه من حسن حديثه ، وكان سمحا كريما ، ولي قضاء مصر سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة ، وأقام على قضائها ثماني عشرة سنة . قال عبد الغني : وسمعت الوزير أبا الفرج يعقوب بن يوسف يقول : قال لي الأستاذ كافور : اجتمع بالقاضي أبي الطاهر ، فسلم عليه ، وقل له : إنه بلغني أنك تنبسط مع جلسائك ، وهذا الانبساط يقل هيبة الحكم ، فأعلمته بذلك ، فقال : قل للأستاذ : لست ذا مال أفيض به على جلسائي ، فلا أقل [ ص: 207 ] من خلقي ، فأخبرت الأستاذ ، فقال : لا تعاوده فقد وضع القصعة .
قال عبد الغني : وسمعت أحمد بن محمد بن سعرة ، أنه سمع أبا بكر بن مقاتل يقول : أنفق القاضي أبو الطاهر بيت مال خلفه له أبوه .
قال الحافظ عبد الغني : لما تلقى أبو الطاهر المعز أبا تميم بالإسكندرية ساءله المعز ، فقال : يا قاضي ، كم رأيت من خليفة ؟ قال : واحدا . قال : من هو ؟ قال : أنت ، والباقون ملوك ، فأعجبه ذلك . ثم قال له : أحججت ؟ قال : نعم ، قال : وسلمت على الشيخين ؟ قال : شغلني عنهما النبي صلى الله عليه سلم كما شغلني أمير المؤمنين عن ولي عهده ، فازداد به المعز إعجابا ، وتخلص من ولي العهد إذ لم يسلم عليه بحضرة المعز ، فأجازه المعز يومئذ بعشرة آلاف درهم .
وحدثني زيد بن علي الكاتب : أن القاضي أبا الطاهر السدوسي أنشده لنفسه :
إني وإن كنت بأمر الهوى غرا فستري غير مهتوك أكني عن الحب ويبكي دما
قلبي ودمعي غير مسفوك فظاهري ظاهر مستملك
وباطني باطن مملوك
يا طالبا بعد قتلي الحج لله نسكا
تركتني فيك صبا أبكي عليك وأبكى
وكيف أسلوك قل لي أم كيف أصبر عنكا
روحي فداؤك هذا جزاء عبدك منكا
قال : ففعلت ذلك ، وأتينا المغرب ، فقدم إلينا ألوان وحلواء ، ولم يحضر القاضي ، فلما قاربنا الفراغ خرج إلينا يزحف من تحت ستر ، ومنعنا من القيام ، وقال : كلوا معي فلم آكل بعد ، ولا يجوز أن تدعوني آكل وحدي ، فعرفنا أن الذي دعاه إلى مبيتنا عنده غمه على ولده أبي العباس ، وكان غائبا بمكة ، ثم أمر من يقرأ منا ، ثم استحضر ابن المقارعي ، وأمره بأن يقول ، أي يغني ، فقام جماعة منا ، وتواجدوا بين يديه ، ثم قال شعرا في وقته ، ألقاه على ابن المقارعي ، فغنى به ، وهو :
يا طالبا بعد قتلي الحج لله نسكا
نقل هذه الفوائد أمين الدين محمد بن أحمد بن شهيد من خط عبد الغني بن سعيد ، ومن خطه نقلت .
قال ابن زولاق في " قضاة مصر " : ولد الذهلي ببغداد في ذي الحجة سنة تسع وسبعين وكان أبوه يلي قضاء واسط ، فعزل بابنه أبي طاهر عنها ، وأخبرني أبو طاهر أنه كان يخلف أباه على البصرة في سنة أربع وتسعين . . . إلى أن قال : وولي قضاء دمشق من قبل الخليفة المطيع ، فأقام [ ص: 209 ] بها سبع سنين ، ثم دخل مصر زائرا لكافور سنة أربعين ، ثم ثار به أهل دمشق وآذوه ، وعملت عليه محاضر ، فعزل وأقام بمصر إلى آخر أيام ابن الخصيب وولده ، فسعى ابن وليد في القضاء ، وبذل ثلاثة آلاف دينار ، وحملها على يد فنك الخادم ، فمدح الشهود أبا طاهر ، وقاموا معه ، فولاه كافور ، وطلب له العهد من ابن أم شيبان القاضي ، فولاه القضاء وحمد .
وقد اختصر تفسير الجبائي ، وتفسير البلخي . ثم إن ابن وليد ولي قضاء دمشق . وكان أبو الطاهر قد عني به أبوه ، فسمعه ، فأدرك الكبار ، وقد سمع من عبد الله بن أحمد ، ، وما روى عنه شيئا لصغره . وإبراهيم الحربي
حصل للناس عنه إملاء وقراءة نحو مائتي جزء .
وحدث بكتاب " طبقات الشعراء " لمحمد بن سلام رواه عن أبي خليفة ، عنه .
قال : ولم يزل أمره مستقيما إلى أن لحقته علة عطلت شقه في سنة 366 فقلد العزيز صاحب مصر القضاء حينئذ علي بن النعمان ، وكانت ولاية أبي الطاهر ست عشرة سنة وعشرة أشهر ، وأقام عليلا ، وأصحاب الحديث منقطعون إليه .
مات في آخر يوم من سنة سبع وستين وثلاثمائة وقيل : مات في سلخ ذي القعدة منها ، وقيل : استعفى من القضاء قبل موته بيسير . ومن شعره في ولده : [ ص: 210 ]
يعز علي بعدك يا علي فلي أرق إذا رقد الخلي
وما لي في اصطباري عنك عذر وعذرك في مفارقتي جلي
ومن يك مفلسا من فرط وجد فإني من صباباتي ملي
وما لي حيلة تدنيك فاذهب لك الرحمن من دوني ولي
ومات والد القاضي الذهلي وهو القاضي الإمام أبو العباس قاضي واسط في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة عن بضع وثمانين سنة .
يروي عن ، يعقوب الدورقي ، وعدة . ومحمود بن خداش
روى عنه ، الدارقطني والمخلص ، وابن المقرئ .
ثقة نبيل .