الجعابي
الحافظ البارع العلامة قاضي الموصل أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن سلم التميمي البغدادي الجعابي .
مولده في صفر سنة أربع وثمانين ومائتين .
وسمع من محمد بن يحيى المروزي ، ويوسف بن يعقوب القاضي ، ويحيى بن محمد الحنائي ، وأبي خليفة الفضل بن الحباب ، ومحمد بن حبان بن الأزهر ، ومحمد بن الحسن بن سماعة ، وعبد الله بن محمد البلخي ، وجعفر بن محمد الفريابي ، وعبد الله بن ناجية ، وأبي بكر الباغندي ، وقاسم المطرز ، وطبقتهم . وتخرج بالحافظ ، وبرع في الحفظ ، وبلغ فيه المنتهى . ابن عقدة
حدث عنه : ، أبو الحسن الدارقطني وأبو حفص بن شاهين ، وابن رزقويه ، وابن منده ، ، والحاكم ومحمد بن الحسين بن الفضل القطان ، والقاضي أبو عمر الهاشمي البصري ، وخلق آخرهم موتا ، أخذ عنه لما قدم عليهم أبو نعيم الحافظ أصبهان .
[ ص: 89 ] قال أبو علي النيسابوري : ما رأيت في المشايخ أحفظ من عبدان ، ولا رأيت في أصحابنا أحفظ من أبي بكر بن الجعابي ، وذاك أني حسبته من البغداديين الذين يحفظون شيخا واحدا ، أو ترجمة واحدة ، أو بابا واحدا ، فقال لي أبو إسحاق بن حمزة يوما : يا أبا علي لا تغلط ابن الجعابي يحفظ حديثا كثيرا . قال : فخرجنا يوما من عند ابن صاعد ، فقلت : يا أبا بكر ، أيش أسند سفيان عن منصور ؟ فمر في الترجمة فما زلت أجره من حديث مصر إلى حديث الشام إلى العراق إلى أفراد الخراسانيين ، وهو يجيب ، إلى أن قلت : فأيش روى الأعمش ، عن أبي صالح عن ، أبي هريرة وأبي سعيد بالشركة ؟ فذكر بضعة عشر حديثا ، فحيرني حفظه .
قال ابن الفضل القطان : سمعت ابن الجعابي يقول : دخلت الرقة ، وكان لي ثم قمطران كتب فجاء غلامي مغموما وقد ضاعت الكتب ، فقلت : يا بني لا تغتم ، فإن فيها مائتي ألف حديث لا يشكل علي حديث منها لا إسناده ولا متنه .
قال أبو علي التنوخي : ما شاهدنا أحدا أحفظ من أبي بكر بن الجعابي ، وسمعت من يقول : إنه يحفظ مائتي ألف حديث ، ويجيب في مثلها ، إلا أنه كان يفضل الحفاظ بأنه كان يسوق المتون بألفاظها ، وأكثر الحفاظ يتسمحون في ذلك ، وكان إماما في معرفة العلل والرجال وتواريخهم ، وما يطعن على الواحد منهم . لم يبق في زمانه من يتقدمه .
أنبأني المسلم بن محمد ، أخبرنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا [ ص: 90 ] الشيباني ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، حدثني الحسن بن محمد الأشقر ، سمعت أبا عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ، سمعت ابن الجعابي يقول : أحفظ أربعمائة ألف حديث ، وأذاكر بستمائة ألف حديث .
قال أبو القاسم التنوخي : تقلد ابن الجعابي قضاء الموصل فلم يحمد في ولايته .
ونقل الخطيب عن أشياخه أن ابن الجعابي كان يشرب في مجلس ابن العميد .
وقال أبو عبد الرحمن السلمي : سألت عن الدارقطني ابن الجعابي ، فقال : خلط ، وذكر مذهبه في التشيع ، وكذا نقل ، عن أبو عبد الله الحاكم قال : وحدثني ثقة أنه خلى الدارقطني ابن الجعابي نائما وكتب على رجله ، قال : فكنت أراه ثلاثة أيام لم يمسه الماء .
قال الأزهري : إن ابن الجعابي لما مات أوصى بأن تحرق كتبه ، فأحرقت ، فكان فيها كتب للناس . فحدثني أبو الحسين أنه كان له عنده مائة وخمسون جزءا فذهبت في جملة ما أحرق .
وقال مسعود السجزي : حدثنا ، سمعت الحاكم يقول : أخبرت بعلة الدارقطني الجعابي ، فقمت إليه ، فرأيته يحرق كتبه ، فأقمت [ ص: 91 ] عنده حتى ما بقي منه سينه ، ومات من ليلته .
أبو ذر الحافظ : سمعت أحمد بن عبدان الحافظ يقول : وقع إلي جزء من حديث الجعابي ، فحفظت منه خمسة أحاديث ، فأجابني فيها ، ثم قال : من أين لك هذا ؟ قلت : من جزئك ، قال : إن شئت ألق علي المتن وأجيبك في إسناده ، أو ألق علي الإسناد وأجيبك في المتن .
قال الخطيب : سمعت ابن رزقويه يقول : كان ابن الجعابي يمتلئ مجلسه ، وتمتلئ السكة التي يملي فيها والطريق ، ويحضر ، الدارقطني وابن المظفر ، ويملي من حفظه .
قال أبو علي الحافظ : قلت لابن الجعابي : قد وصلت إلى الدينور فلا أتيت نيسابور ؟ قال : هممت به ثم قلت : أذهب إلى قوم عجم لا أفهم عنهم ولا يفهمون عني ؟ ! .
قال : قلت الحاكم : يبلغني عن للدارقطني الجعابي أنه تغير عما عهدناه ، قال : وأي تغير ؟ قلت : بالله هل اتهمته ؟ قال : إي والله ، ثم ذكر أشياء ، فقلت : وضح لك أنه خلط في الحديث ؟ قال : إي والله ، قلت : هل اتهمته حتى خفت المذهب ؟ قال : ترك الصلاة والدين .
وقال محمد بن عبيد الله المسبحي : كان ابن الجعابي المحدث قد صحب قوما من المتكلمين ، فسقط عند كثير من أصحاب [ ص: 92 ] الحديث . وصل إلى مصر ، ودخل إلى الإخشيذ ، ثم مضى إلى دمشق ، فوقفوا على مذهبه ، فشردوه ، فخرج هاربا .
قال ابن شاهين : دخلت أنا ، وابن المظفر ، على والدارقطني ابن الجعابي وهو مريض ، فقلت له : من أنا ؟ قال : سبحان الله ألستم فلانا وفلانا ؟ وسمانا ، فدعونا وخرجنا ، فمشينا خطوات ، فسمعنا الصائح بموته ، ورأينا كتبه تل رماد .
قال الأزهري : كانت سكينة نائحة الرافضة تنوح في جنازته . وقال أبو نعيم : قدم الجعابي أصبهان ، وحدث بها في سنة تسع وأربعين وثلاثمائة .
أخبرنا إسحاق بن طارق ، أخبرنا ابن خليل ، أخبرنا أبو المكارم التيمي ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا محمد بن عمر بن سلم ، حدثنا محمد بن النعمان ، حدثنا هدبة ، حدثنا حزم بن أبي حزم ، سمعت الحسن يقول : " بئس الرفيق الدينار والدرهم ، لا ينفعانك حتى يفارقاك " .
قلت : مات في رجب سنة خمس وخمسين وثلاثمائة .