المنصور
أبو الطاهر إسماعيل بن القائم بن المهدي ، العبيدي الباطني ، صاحب المغرب .
ولي بعد أبيه ، وحارب رأس الإباضية أبا يزيد مخلد بن كيداد الزاهد ، والتقى الجمعان مرات ، وظهر مخلد على أكثر المغرب ، ولم يبق لبني عبيد سوى المهدية .
فنهض المنصور ، وأخفى موت أبيه وصابر الإباضية حتى ترحلوا [ ص: 157 ] عنه ، ونازلوا مدينة سوسة ، فبرز المنصور من المهدية والتقوا ، فانكسر جيش مخلد على كثرتهم وأسر هو في سنة 336 فمات بعد الأسر بأربعة أيام من الجراح ، فسلخ وحشي قطنا ، وصلب .
وبنوا مدينة المنصورية مكان الوقعة ، فنزلها المنصور .
وكان بطلا شجاعا ، رابط الجأش ، فصيحا مفوها يرتجل الخطب وفيه إسلام في الجملة وعقل بخلاف أبيه الزنديق .
وقد جمع في قصره مرة من أولاد جنده ورعيته عشرة آلاف صبي ، وكساهم كسوة فاخرة ، وعمل لهم وليمة لم يسمع قط بمثلها ، وختنهم جميعا ، وكان يهب للواحد منهم المائة دينار والخمسين دينارا على أقدارهم .
ومن محاسنه أنه ولى محمد بن أبي المنظور الأنصاري قضاء القيروان ، وكان من كبار أصحاب الحديث ، قد لقي إسماعيل القاضي ، ، فقال : بشرط أن لا آخذ رزقا ولا أركب دابة فولاه ليتألف الرعية ، فأحضر إليه يهودي قد سب فبطحه وضربه إلى أن [ ص: 158 ] مات تحت الضرب ، خاف أن يحكم بقتله فتحل عليه الدولة . والحارث بن أبي أسامة
وأتى يوما بيته ، فوجد سلاف داية السلطان تشفع في امرأة نائحة فاسقة ليطلقها من حبسه ، فقال : ما لك ؟ قالت : قضيب محبوبة المنصور تطلب منك أن تطلقها ، فقال : يا منتنة ، لولا شيء لضربتك ، لعنك الله ، ولعن من أرسلك . فولولت ، وشقت ثيابها ، ثم ذكرت أمرها للمنصور ، فقال : ما أصنع به ؟ ما أخذ منا صلة ، ولا نقدر على عزله ، نحن نحب إصلاح البلد .
خرج في رمضان سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة إلى مكان يتنزه ، فأصابه برد وريح عظيمة ، فأثر ذلك فيه ، ومرض ، ومات عدد كثير ممن معه . ثم مات هو في سلخ شوال من السنة وله تسع وثلاثون سنة .
وقد كان في سنة أربعين جهز جيشه في البحر إلى صقلية ، فهزموا النصارى ، وكانت ملحمة عظمى ، قتل فيها من العدو ثلاثون ألفا ، وأسر منهم ألوف ، وغنم الجند ما لا يعبر عنه .
وقيل : إنه افتتح مدينة جنوة ، ونهب أعمال سردانية .
[ ص: 159 ] وحكم على مملكة صقلية ، وافتتح له نائبه عليها فتوحات ، وانتصر على العدو وفرح بذلك المسلمون ، وتوطد سلطانه .
وخلف خمسة بنين وست بنات .
وذكر المشايخ أنهم ما رأوا فتحا مثله قط .
وكان المنصور محببا إلى الرعية مقتصرا على إظهار التشيع ، وقام بعده المعز ولده .