[ ص: 138 ] القائم بأمر الله
الخليفة أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله أحمد بن إسحاق بن المقتدر جعفر العباسي البغدادي .
ولد سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة في نصف ذي القعدة وأمه بدر الدجى الأرمنية ، وقيل قطر الندى بقيت إلى أثناء خلافته .
وكان مليحا وسيما أبيض بحمرة ، قوي النفس ، دينا ورعا متصدقا ، له يد في الكتابة والأدب ، وفيه عدل وسماحة .
بويع يوم موت أبيه بعهد له منه في ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ، وأبوه هو الذي لقبه .
ولم يزل أمره مستقيما إلى أن قبض عليه في سنة خمسين وأربعمائة ; لأن أرسلان التركي البساسيري عظم شأنه لعدم نظير له ، وتهيبته أمراء العرب والعجم ، ودعي له على المنابر ، وظلم وخرب القرى ، وانقهر معه القائم ، ثم تحدث بأنه يريد نهب دار الخلافة ، وعزل القائم . فكاتب القائم طغرلبك ملك الغز يستنهضه ، وكان بالري ، ثم أحرقت دار البساسيري ، [ ص: 139 ] وهرب ، وقدم طغرلبك في سنة 447 ، وذهب البساسيري إلى الرحبة ومعه عسكر ، فكاتب المستنصر فأمده من مصر بالأموال ، ومضى طغرلبك سنة تسع إلى نصيبين ومعه أخوه ينال ، فكاتب البساسيري ينال فأفسده ، وطمع بمنصب أخيه .
فسار بجيش ضخم إلى الري ، فسار أخوه في أثره ، وتفرقت الكلمة ، والتقى الأخوان بهمذان ، وظهر ينال ، واضطرب أمر بغداد ، ووقع النهب ، وفرت زوجة طغرلبك في جيش نحو همذان ، فوصل البساسيري في ذي القعدة إلى الأنبار ، وبطلت الجمعة ، ودخل شاليش عسكره ، ثم دخل هو بغداد في الرايات المصرية ، وضرب سرادقه على دجلة ، ونصرته الشيعة ، وكان قد جمع العيارين والفلاحين ، وأطمعهم في النهب ، وعظم القحط ، واقتتلوا في السفن .
ثم في الجمعة المقبلة دعي لصاحب مصر بجامع المنصور ، وأذنوا : ب " حي على خير العمل " ، وخندق الخليفة حول داره ، ثم نهض البساسيري في أهل الكرخ وغيرهم إلى حرب القائم ، فاقتتلوا يومين ، وكثرت القتلى ، وأحرقت الأسواق ، ودخلوا الدار فانتهبوها ، وتذمم القائم إلى الأمير قريش العقيلي -وكان ممن قام مع البساسيري - فأذمه ، وقبل بين يديه ، فخرج القائم راكبا - بين يديه الراية - ، والأتراك بين يديه ، وأنزل في خيمة ، ثم قبض البساسيري على الوزير أبي القاسم علي بن المسلمة ، والقاضي أبي عبد الله الدامغاني ، وجماعة ، فصلب الوزير فهلك .
[ ص: 140 ] وكان القائم فيه خير واهتمام بالرعية ، وقضاء للحوائج ، قيل : إنه لما بقي معتقلا عند العرب كتب قصة ، وبعث بها إلى بيت الله مستعديا ممن ظلمه ، وهي : إلى الله العظيم من المسكين عبده : اللهم إنك العالم بالسرائر ، المطلع على الضمائر ، اللهم إنك غني بعلمك واطلاعك علي عن إعلامي ، هذا عبدك قد كفر نعمك وما شكرها ، أطغاه حلمك حتى تعدى علينا بغيا ، اللهم قل الناصر واعتز الظالم ، وأنت المطلع الحاكم ، بك نعتز عليه ، وإليك نهرب من يديه ، فقد حاكمناه إليك ، وتوكلنا في إنصافنا منه عليك ، ورفعنا ظلامتنا إلى حرمك ، ووثقنا في كشفها بكرمك ، فاحكم بيننا بالحق ، وأنت خير الحاكمين .
أما ما كان من طغرلبك ، فإنه ظفر بأخيه وقتله ثم كاتب متولي عانة في أن يرد القائم إلى مقر عزه .
وقيل : إن البساسيري عزم على ذلك لما بلغه السلطان طغرلبك ، فحصل القائم في مقر دولته في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة إحدى وخمسين .
ثم جهز طغرلبك عسكرا قاتلوا البساسيري ، فقتل وطيف برأسه . فكانت الخطبة للمستنصر ببغداد سنة كاملة .
[ ص: 141 ] توفي القائم في ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة .