حافظ كبير ، إمام بارع متبع للآثار ، كثير التصانيف . قدم أصبهان على قضائها ، ونشر بها علمه .
قال أبو الشيخ : كان من الصيانة والعفة بمحل عجيب . وقال أبو بكر بن مردويه : حافظ ، كثير الحديث ، صنف " المسند " والكتب .
وقال أبو العباس النسوي : أبو بكر بن أبي عاصم ، وهو : أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني ، من أهل البصرة ، من صوفية المسجد ، من أهل السنة والحديث والنسك والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، صحب النساك ، منهم : أبو تراب ، وسافر معه ، وكان مذهبه القول بالظاهر ، وكان ثقة نبيلا معمرا .
[ ص: 431 ] وقال : كان فقيها ، ظاهري المذهب . الحافظ أبو نعيم
وفي هذا نظر ، فإنه صنف كتابا على أربعين خبرا ثابتة ، مما نفى داود الظاهري داود صحتها ،
قالت بنته عاتكة : ولد أبي في شوال سنة ست ومائتين فسمعته يقول : ما كتبت الحديث حتى صار لي سبع عشرة سنة ، وذلك أني تعبدت وأنا صبي ، فسألني إنسان عن حديث ، فلم أحفظه ، فقال لي : ابن أبي عاصم لا تحفظ حديثا ؟ ! فاستأذنت أبي ، فأذن لي ، فارتحلت .
قلت : كان يمكنه أن يحفظ أحاديث يسيرة من جده أبي عاصم .
وأمه هي : أسماء بنت الحافظ موسى بن إسماعيل التبوذكي ، فسمع من جده ، ومن والده ، ومات والده التبوذكي بحمص على قضائها ، في سنة اثنتين وأربعين ومائتين ، وله نيف وستون سنة . وكان أخوه عثمان بن عمرو بن أبي عاصم من كبار العلماء .
قال ابن عبدكويه : سمعت عاتكة بنت أحمد تقول : سمعت أبي يقول : جاء أخي عثمان عهده بالقضاء على سامراء ، فقال : أقعد بين يدي الله تعالى قاضيا ؟ ! فانشقت مرارته ، فمات .
قال ابن عبدكويه : أخبرتنا عاتكة : سمعت أبي يقول : خرجت إلى مكة من الكوفة ، فأكلت أكلة بالكوفة ، والثانية بمكة . قلت : إسنادها صحيح .
قال أبو الشيخ : سمعت ابني عبد الرزاق يحكي عن أبي عبد الله [ ص: 432 ] الكسائي ، قال : كنت عنده -يعني ابن أبي عاصم - فقال واحد : أيها القاضي ! بلغنا أن ثلاثة نفر كانوا بالبادية ، وهم يقلبون الرمل ، فقال واحد منهم : اللهم إنك قادر على أن تطعمنا خبيصا على لون هذا الرمل . فإذا هم بأعرابي بيده طبق ، فوضعه بينهم ، خبيص حار ، فقال ابن أبي عاصم : قد كان ذاك .
قال أبو عبد الله : كان الثلاثة : عثمان بن صخر الزاهد ، وأبو تراب ، ، وكان هو الذي دعا . وابن أبي عاصم
عن محمد بن إبراهيم ، عن ابن أبي عاصم قال : صحبت أبا تراب ، فقطعوا البادية ، فلم يكن زاد إلا هذين البيتين :
رويدك جانب ركوب الهوى فبئس المطية للراكب وحسبك بالله من مؤنس
وحسبك بالله من صاحب
ابن مردويه : سمعت عبد الله بن محمد بن عيسى ، سمعت أحمد بن محمد بن محمد المديني البزاز يقول : قدمت البصرة حي ، فسألت عن أفقههم ، فقالوا : ليس وأحمد بن حنبل بالبصرة أفقه من أحمد بن عمرو بن أبي عاصم . [ ص: 433 ]
أبو الشيخ : سمعت ابني عبد الرزاق يحكي عن أحمد بن محمد بن عاصم : سمعت ابن أبي عاصم يقول : وصل إلي منذ دخلت إلى أصبهان من دراهم القضاء زيادة على أربع مائة ألف درهم ، لا يحاسبني الله يوم القيامة أني شربت منها شربة ماء ، أو أكلت منها ، أو لبست .
وأورد هذه الحكاية ابن مردويه ، فقال : أرى أني سمعتها من أحمد بن محمد بن عاصم .
أبو الشيخ : وسمعت ابني يحكي عن أبي عبد الله الكسائي : سمعت ابن أبي عاصم يقول : لما كان من أمر العلوي بالبصرة ما كان ، ذهبت كتبي ، فلم يبق منها شيء ، فأعدت عن ظهر قلبي خمسين ألف حديث ، كنت أمر إلى دكان البقال ، فكنت أكتب بضوء سراجه ، ثم تفكرت أني لم أستأذن صاحب السراج ، فذهبت إلى البحر فغسلته ، ثم أعدته ثانيا .
قال أبو الشيخ : فولي القضاء بأصبهان مدة لإبراهيم بن أحمد الخطابي ، ثم ولي القضاء بعد موت صالح بن أحمد إلى سنة اثنتين وثمانين ومائتين ، ثم بقي ويحدث ويسمع منه إلى أن توفي . وكان قاضيا ثلاث عشرة سنة ، وكثرت الشهود في أيامه . قال ابن مردويه : عزل سنة اثنتين وثمانين .
قال أبو عبد الله بن خفيف : قال ابن أبي عاصم : صحبت أبا تراب . فكان يقول : كم تشقى ! لا يجيء منك إلا قاضي . وكان بعدما دخل في القضاء إذا سئل عن مسألة الصوفية ، يقول : القضاء والدنية والكلام في علم الصوفية محال .
[ ص: 434 ] قال أبو الشيخ : كثرت الشهود في أيامه ، واستقام أمره ، إلى أن وقع بينه وبين علي بن متويه ، وكان صديقه طول أيامه ، فاتفق أنه صار إلى ابن متويه قوم من المرابطين ، فشكوا إليه خراب الرباطات ، وتأخر الإجراء عنهم ، فاحتد علي بن متويه ، فذكر ابن أبي عاصم حتى قال : إنه لا يحسن يقوم سورة ( الحمد ) . فبلغ الخبر ابن أبي عاصم ، فتغافل عنه إلى أن حضر الشهود عنده ، فاستدرجهم ، وقرأ عليهم سورة ( الحمد ) ، فقومها ، ثم ذكر ما فيها من التفسير والمعاني ، ثم أقبل عليهم ، فقال : هل ارتضيتم ؟ قالوا : بلى . قال : فمن زعم أني لا أحسن تقويم سورة ( الحمد ) كيف هو عندكم ؟ قالوا : كذاب . ولم يعرفوا قصده ، فحجر ابن أبي عاصم على علي بن متويه لهذا السبب .
فماج الناس ، واجتمعوا على باب أبي ليلى -يعني الحارث بن عبد العزيز - وكان خليفة أخيه عمر بن عبد العزيز على البلد ، وذلك في سنة 281 ، فأكرهه أبو ليلى على فسخه ، ففسخه ثم ضعف بصره ، فورد صرفه .
قال أبو بكر بن أبي علي : سمعت بعض مشايخنا يحكون أنه حكم بحجره ، ووضعه في جونته فأنفذ إليه السلطان ، يكرهونه على فسخه ، فامتنع حتى منع من الخروج إلى المسجد أياما ، فصبر ، وكانت الرسل تختلف إليه في ذلك ، فيقول : قد حكمت بحكم وهو في جونتي مختوم ، فمن أحب إخراج ذلك منها فليفعل من دون أمري . فلم يقدروا إلى أن طيب قلبه ، فأخرجه وفسخه .
قال أبو موسى المديني : وجدت بخط بعض قدماء علماء أصبهان ، فيما جمع من قضاتها ، قال : إبراهيم بن أحمد الخطابي . وافى أصبهان من [ ص: 435 ] قبل المعتز ، وكان من أهل الأدب والنظر ، فلما قدمها صادف بها ابن أبي عاصم ، فجعله كاتبه ، وعليه كان يعول ، ثم وافى صالح بن أحمد بن حنبل من قبل المعتمد ، وانقطع القضاة عن أصبهان مدة ، إلى أن ورد كتاب المعتمد على ابن أبي عاصم بتوليته القضاء ، وكان في رجب سنة تسع وستين ومائتين ، فبقي عليها ثلاث عشرة سنة ، واستقام أمره إلى أن وقع بينه وبين علي بن متويه زاهد البلد .
قال : وولي بعده القضاء الوليد بن أبي داود .
أبو العباس النسوي : سمعت أبا بكر محمد بن مسلم ، سمعت محمد بن خفيف يقول : سمعت الحكيمي يقول : ذكروا عند ليلى الديلمي أن أبا بكر بن أبي عاصم ناصبي فبعث غلاما له ومخلاة وسيفا وأمره أن يأتيه برأسه ، فجاء الغلام ، وأبو بكر يقرأ الحديث ، والكتاب في يده ، فقال : أمرني أن أحمل إليه رأسك . فنام على قفاه ، ووضع الكتاب الذي كان في يده على وجهه ، وقال : افعل ما شئت .
فلحقه إنسان ، وقال : لا تفعل ، فإن الأمير قد نهاك . فقام أبو بكر وأخذ الجزء ، ورجع إلى الحديث الذي قطعه ، فتعجب الناس .
قال أبو بكر بن مردويه : سمعت أحمد بن إسحاق يقول : مات أحمد بن عمرو سنة سبع وثمانين ، ليلة الثلاثاء ، لخمس خلون من ربيع الآخر وذكر عن ، قال : حضرت جنازة أبي الشيخ أبي بكر ، وشهدها مائتا [ ص: 436 ] ألف من بين راكب وراجل ، ما عدا رجلا كان يتولى القضاء ، فحرم شهود جنازته ، وكان يرى رأي جهم .
قال أبو الشيخ : سمعت ابني عبد الرزاق يحكي عن أبي عبد الله الكسائي ، قال : رأيت ابن أبي عاصم فيما يرى النائم ، كأنه كان جالسا في مسجد الجامع ، وهو يصلي من قعود ، فسلمت عليه ، فرد علي ، وقلت له : أنت أحمد بن أبي عاصم ؟ قال : نعم . قلت : ما فعل الله بك ؟ قال : يؤنسني ربي . قلت : يؤنسك ربك ؟ قال : نعم . فشهقت شهقة ، وانتبهت .
ذكر تصانيفه : جمع جزء فيها فيه زيادة على ثلاث مائة مصنف ، رواها عنه أبو بكر القباب ، من ذلك : " المسند الكبير " نحو خمسين ألف حديث ، و " الآحاد والمثاني " نحو عشرين ألف حديث في الأصناف ، " المختصر من المسند " نيف وعشرون ألفا ، فذكر نحوا من هذا إلى أن عد مائة وأربعين ألفا ونيفا .
شيوخه : أبو الوليد الطيالسي ، وعمرو بن مرزوق ، ، وأبو عمر الحوضي ومحمد بن كثير ، ومحمد بن أبي بكر المقدمي ، ، وشيبان بن فروخ ، وهدبة بن خالد ، ومحمد بن عبد الله بن نمير وإبراهيم بن محمد الشافعي .
، ويعقوب بن حميد بن كاسب ، وإبراهيم بن الحجاج السامي والحوطي عبد الوهاب بن نجدة ، ، ودحيم ، وهشام بن عمار ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وعبد الأعلى بن حماد وكامل بن طلحة الجحدري ، وأبو كامل [ ص: 437 ] الجحدري .
، وطبقتهم ، وينزل إلى طبقة وعبد الله بن محمد بن أسماء ، أبي حاتم الرازي ، ويكثر عن والبخاري ابن أبي شيبة ، وابن كاسب ، وهشام .
حدث عنه : ابنته أم الضحاك عاتكة ، وأحمد بن جعفر بن معبد ، والقاضي أبو أحمد العسال ، ومحمد بن إسحاق بن أيوب ، وعبد الرحمن بن محمد بن سياه ، وأحمد بن محمد بن عاصم ، وأحمد بن بندار الشعار ، ومحمد بن معمر بن ناصح ، ، وأبو الشيخ وأبو بكر القباب ، وهو آخر أصحابه وفاة ، وأبو عبد الله محمد بن أحمد الكسائي .
قال أبو سعيد بن الأعرابي في كتاب " طبقات النساك " له : فأما أبو بكر بن أبي عاصم ، فسمعت من يذكر أنه كان يحفظ لشقيق البلخي ألف مسألة ، وكان من حفاظ الحديث والفقه ، وكان مذهبه القول بالظاهر ونفي القياس .
قرأت على أحمد بن محمد الدشتي أخبركم يوسف الحافظ ، أخبرنا مسعود بن أبي منصور الجمال ، ( ح ) : وأنبأنا أحمد بن سلامة عن الجمال ، قال : أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا ، قال : أبو نعيم الحافظ أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد بن مسلم بن رافع بن رفيع بن ذهل بن شيبان أبو بكر ، كان فقيها ظاهري المذهب ، ولي القضاء بأصبهان ثلاث عشرة سنة ، بعد صالح بن أحمد ، توفي فصلى عليه ابنه الحكم .
سمع من جده لأمه موسى بن إسماعيل كتب حماد بن سلمة ، ومن أبي الوليد ، وعمرو بن مرزوق ، . [ ص: 438 ] والحوضي
وبه ، إلى أبي نعيم : حدثنا القاضي أبو أحمد ، حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم ، حدثنا الأزرق بن علي أبو الجهم ، حدثنا ، حدثنا حسان بن إبراهيم الكرماني خالد بن سعيد المدني ، عن أبي حازم ، عن سهل ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إن لكل عمل سناما ، وسنام القرآن البقرة ، من قرأها في بيته ليلا لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليال . ومن قرأها في بيته نهارا لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام .
وبه ، إلى أبي نعيم : حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن سياه ، حدثنا أحمد بن عمرو ، حدثنا هدبة ، حدثنا أبان ، عن ، قال : بلغني أن القرآن يرفع يوم القيامة ، غير سورة يوسف ، وسورة مريم ، يتكلم بها أهل الجنة . يحيى بن أبي كثير
أخبرنا بلال الحبشي أخبرنا ابن رواج ، أخبرنا السلفي ، أخبرنا محمد وأحمد ابنا أبي القاسم السوذرجاني ، أخبرنا علي بن ميلة الفرضي إملاء ، حدثنا أبو علي أحمد بن محمد بن عاصم ، حدثنا أبو بكر بن أبي عاصم ، حدثنا المقدمي ، حدثنا عبد ربه الحنفي ، حدثنا سماك الحنفي ، سمعت ابن عباس يقول : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : عائشة ! من كان له فرطان من أمتي دخل الجنة . قالت : يا نبي الله ! فمن كان له فرط ؟ قال : [ ص: 439 ] ومن كان له فرط يا موفقة . قالت : يا نبي الله ! فمن لم يكن له فرط من أمتك ؟ قال : أنا فرط أمتي ، لم يصابوا بمثلي . يا
رواه الترمذي محسنا مغربا له ، عن نصر بن علي ، وزياد بن يحيى ، وعن أحمد بن سعيد المرابطي ، عن حبان ، جميعا عن عبد ربه ، عن سماك بن الوليد أبي زميل الحنفي . وعبد ربه هذا : ضعفه ابن معين ، وقال أحمد : ما به بأس .
أخبرنا إسحاق بن طارق أخبرنا يوسف بن خليل ، أخبرنا ناصر بن محمد ، أخبرنا جعفر بن عبد الواحد ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد الكاتب ، أخبرنا عبد الله بن محمد أبو الشيخ بقراءة أبي ، حدثنا أبو بكر بن أبي عاصم ، حدثنا عمرو بن مرزوق ، عن عمران القطان ، عن قتادة ، عن زرارة ، عن سعد بن هشام ، عن عائشة ، قالت : ذكر عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل يقال له : شهاب ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : أنت هشام إسناده جيد .