الحارث بن مسكين ( د ، س )
ابن محمد بن يوسف ، الإمام العلامة الفقيه المحدث الثبت ، قاضي القضاة بمصر أبو عمرو ، مولى زبان بن الأمير عبد العزيز بن مروان ، الأموي المصري .
مولده في سنة أربع وخمسين ومائة وإنما طلب العلم على كبر . سأل الليث عن مسألة واحدة ، وفاته ابن لهيعة والكبار . وحمل عن : ومالك سفيان بن عيينة ، ، وعبد الله بن وهب وابن القاسم وتفقه بهما ، وعن يوسف بن عمرو الفارسي ، وبشر بن عمر الزهراني ، وأشهب ، وغيرهم .
حدث عنه : أبو داود ، ، وولده والنسائي أحمد بن الحارث ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل ، ، وأبو يعلى الموصلي وعلي بن قديد ، ومحمد بن زبان بن حبيب ، ، وأبو بكر بن أبي داود وعبد الله بن محمد بن يونس السمناني ، وآخرون .
سئل عنه ، فأثنى عليه ، وقال فيه قولا جميلا . [ ص: 55 ] أحمد بن حنبل
وقال : لا بأس به . ونقل يحيى بن معين علي بن الحسين بن حبان ، عن أبيه قال : قال أبو زكريا ، يعني ابن معين : خير من أصبغ . وأفضل . وقال الحارث بن مسكين : ثقة مأمون . النسائي
وقال أبو بكر الخطيب كان فقيها ثقة ثبتا ، حمله المأمون إلى بغداد في المحنة ، وسجنه ، فلم يجب ، فما زال محبوسا ببغداد إلى أن استخلف المتوكل ، فأطلقه ، فحدث ببغداد ، ورجع إلى مصر متوليا قضاء مصر ، ثم استعفى من القضاء في سنة خمس وأربعين ومائتين ، فأعفي .
ومات في شهر ربيع الأول سنة خمسين ومائتين . وله ست وتسعون سنة .
قلت : وكان ، مع تقدمه في العلم والزهد والتأله ، قوالا بالحق ، من قضاة العدل ، رحمه الله تعالى .
قال بحر بن نصر الخولاني : عرفنا أيام الحارث بن مسكين ابن وهب على طريقة زهادة وورع وصدق حتى مات . [ ص: 56 ]
وقال يوسف بن يزيد القراطيسي : قدم المأمون مصر ، وبها من يتظلم من عامليه : إبراهيم بن تميم ، وأحمد بن أسباط . فجلس الفضل بن مروان الوزير في الجامع ، واجتمع الأعيان ، وأحضر ليولى القضاء ، فبينا الحارث بن مسكين الفضل يكلمه إذ قال له متظلم : سله - أصلحك الله - عن ابن تميم وابن أسباط . فقال : ليس لذا حضر ، قال ، أصلحك الله ، سله .
قال : ما تقول فيهما ؟ فقال : ظالمين غاشمين .
قال : فاضطرب المسجد ، فقام الفضل ، فأعلم المأمون ، وقال : خفت على نفسي من ثورة الناس مع الحارث ، فطلب الحارث ، وقال : ما تقول في هذين ؟ قال : ظالمين غاشمين . قال : هل ظلماك بشيء ؟ قال : لا . قال : فعاملتهما ؟ قال : لا . قال : فكيف تشهد عليهما ؟ قال : كما شهدت أنك أمير المؤمنين ، ولم أرك إلا الساعة .
قال : اخرج من هذه البلاد ، وبع قليلك وكثيرك ، وحبسه في خيمة ، ثم انحدر إلى البشرود ، وأخذه معه ، فلما فتح البشرود طلب الحارث ، وسأله عن المسألة التي سأله عنها بمصر ، فرد الجواب بعينه . قال : فما تقول في خروجنا ؟ قال : أخبرني ابن القاسم ، عن مالك ، أن الرشيد كتب إليه يسأله عن قتالهم ، فقال : إن كانوا خرجوا عن ظلم من السلطان فلا يحل قتالهم ، وإن كانوا إنما شقوا العصا فقتالهم حلال . فقال : أنت تيس ، أتيس منك ، ارحل عن ومالك مصر . قال : يا أمير المؤمنين ، إلى الثغور ؟ قال : بل بمدينة السلام . وروى داود بن أبي صالح الحراني ، عن أبيه ، قال : لما أحضر [ ص: 57 ] الحارث مجلس المأمون ، جعل المأمون يقول : يا ساعي ، يرددها - يعني : يا مرافع - قال : والله ما أنا بساع ، ولكني أحضرت ، فسمعت وأطعت ، ثم سئلت عن أمر ، فاستعفيت ثلاثا ، فلم أعف ، فكان الحق آثر عندي من غيره ، فقال المأمون : هذا رجل أراد أن يرفع له علم ببلده ، خذه إليك .
قال أحمد المؤدب : خرج المأمون ، وأخرج الحارث في سنة سبع عشرة ومائتين ، وخرجت زوجة الحارث ، فحجت ، وذهبت إلى العراق .
قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم :
قال لي ابن أبي دواد : يا أبا عبد الله ، لقد قام حارثكم لله مقام الأنبياء . وكان ابن أبي دواد ، إذا ذكره عظمه جدا .
قال أبو يزيد القراطيسي : فأقام الحارث ببغداد ست عشرة سنة ، وأطلقه الواثق في آخر أيامه ، فرجع إلى مصر . وقال ابن قديد : أتاه -يعني : الحارث - في سنة سبع وثلاثين كتاب توليه القضاء ، وهو بالإسكندرية ، فامتنع . فلم يزل به إخوانه حتى قبل ، فقدم مصر ، فجلس للحكم ، وأخرج أصحاب أبي حنيفة من المسجد ، وأمر بنزع حصرهم من العمد ، وقطع عامة المؤذنين من الأذان ، وأصلح سقف المسجد ، وبنى السقاية ، ولاعن بين رجل وامرأته ، ومنع من النداء على الجنائز ، وضرب الحد في سب والشافعي عائشة أم المؤمنين ، وقتل ساحرين .
عن الحسن بن عبد العزيز الجروي : أن رجلا كان مسرفا على نفسه ، فمات ، فرئي في النوم ، فقال : إن الله غفر لي بحضور جنازتي ، وإنه استشفع لي ، فشفع في الحارث بن مسكين
[ ص: 58 ] توفي الحارث لثلاث بقين من ربيع الأول سنة خمسين ومائتين .
قرأت على ، عن ابن عساكر أبي روح ، أخبرنا تميم ، أخبرنا أبو سعد ، أخبرنا ابن حمدان ، أخبرنا أبو يعلى ، حدثنا ، حدثنا الحارث بن مسكين ابن وهب ، أخبرنا ، عن هشام بن سعد ، عن أبيه ، عن زيد بن أسلم عمر ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : موسى : أنت آدم الذي نفخ الله فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك الأسماء كلها ؟ .
قال : نعم . قال : فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ فقال : من أنت ؟ قال : أنا موسى . قال : أنت موسى بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء حجاب ، فلم يجعل بينك وبينه رسولا ؟ قال : نعم . قال : فتلومني على أمر قد سبق من الله القضاء قبلي . قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك : فحج آدم موسى قال