المهدي
الخليفة أبو عبد الله محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد [ ص: 401 ] ابن علي ، الهاشمي العباسي . مولده بإيذج من أرض فارس ، في سنة سبع وعشرين وقيل : في سنة ست وأمه أم موسى الحميرية .
كان جوادا ممداحا معطاء ، محببا إلى الرعية ، قصابا في الزنادقة ، باحثا عنهم ، مليح الشكل ، قد مر من أخباره في " تاريخي الكبير " . ولما اشتد ، ولاه أبوه مملكة طبرستان ، وقد قرأ العلم ، وتأدب وتميز . غرم أبوه أموالا حتى استنزل ولي العهد ابن أخيه عيسى بن موسى من العهد للمهدي ، ولما مات المنصور ، قام بأخذ البيعة للمهدي . الربيع بن يونس الحاجب
وكان المهدي أسمر مليحا ، مضطرب الخلق ، على عينه بياض ، جعد الشعر ، ونقش خاتمه : الله ثقة محمد وبه نؤمن .
يقطونه : أنبأنا أبو العباس المنصوري ، قال : لما حصلت الخزائن في يد المهدي ، أخذ في رد المظالم ، فأخرج أكثر الذخائر ، ففرقها ، وبر أهله ومواليه ، فقيل : فرق أزيد من مائة ألف ألف .
وقيل : إنه أثني عليه بالشجاعة ، فقال : لم لا أكون شجاعا ؟ وما خفت أحدا إلا الله -تعالى . [ ص: 402 ] وذكر ابن أبي الدنيا أن المهدي كتب إلى الأمصار يزجر أن يتكلم أحد من أهل الأهواء في شيء منها . وعن يوسف الصائغ قال : رفع أهل البدع رءوسهم ، وأخذوا في الجدل ، فأمر بمنع الناس من الكلام ، وأن لا يخاض فيه .
قال : هاجت ريح سوداء ، فسمعت داود بن رشيد سلما الحاجب يقول : فجعنا أن تكون القيامة ، فطلبت المهدي في الإيوان ، فلم أجده ، فإذا هو في بيت ساجد على التراب يقول : اللهم : لا تشمت بنا أعداءنا من الأمم ، ولا تفجع بنا نبينا ، اللهم إن كنت أخذت العامة بذنبي ، فهذه ناصيتي بيدك . فما أتم كلامه حتى انجلت .
قال الأصمعي : دخل على المهدي شريف ، فوصله ، فقال : يا أمير المؤمنين ! ما أنتهي إلى غاية شكرك ، إلا وجدت وراءها غاية من معروفك ، فما عجز الناس عن بلوغه ، فالله من وراء ذلك .
وعن الربيع : أن المنصور فتح يوما خزائنه مما قبض من خزائن مروان الحمار . فأحصى من ذلك اثني عشر ألف عدل خز ، فأخرج منها ثوبا ، فقال لي : فصل منه جبة ، ولمحمد جبة وقلنسوة . وبخل بإخراج ثوب للمهدي . فلما ولي المهدي ، أمر بذلك كله ، ففرق على الموالي والخدم . وقيل : كان كثير التولية والعزل بغير كبير سبب ، ويباشر الأمور بنفسه ، وأطلق خلقا من السجون ، وزاد في المسجد الحرام وزخرفه . أبو زرعة النصري : حدثنا أبي ، حدثنا أبو خليد ، قال : قال مالك : قال [ ص: 403 ] لي المهدي : يا أبا عبد الله ! لك دار ؟ قلت : لا . فأمر لي ثلاثة آلاف دينار . وقيل : إنه وصل عبد العزيز بن الماجشون بعشرة آلاف دينار . ونقل ابن الأنباري بإسناد : أن المهدي أعطى رجلا مرة مائة ألف دينار . وجوائزه كثيرة من هذا النمط . وأجاز مرة مروان بن أبي حفصة بسبعين ألفا . وليس هذا الإسراف مما يحمد عليه الإمام .
وكان مستهترا بمولاته الخيزران ، وكان غارقا كنحوه من الملوك في بحر اللذات ، واللهو والصيد ، ولكنه خائف من الله ، معاد لأولي الضلالة ، حنق عليهم .
تملك عشر سنين وشهرا ونصفا ، وعاش ثلاثا وأربعين سنة ، ومات بماسبذان في المحرم سنة تسع وستين ومائة وبويع ابنه الهادي .