قال ابن إسحاق : ثم رجع علي إلى المدينة ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفره ، ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما إلى أهله في يوم حار ، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه ، قد رشت كل واحدة منهما عريشها ، وبردت له فيه ماء ، وهيأت له فيه طعاما . فلما دخل ، قام على باب العريش ، فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له ، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح والحر ، في ظل بارد ، وطعام مهيأ ، وامرأة حسناء ، في ماله مقيم ، ما هذا بالنصف ثم قال : والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهيئا ؛ لي زادا ، ففعلتا . ثم قدم ناضحه فارتحله ، ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل وأبو خيثمة تبوك . وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق ، يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فترافقا ، حتى إذا دنوا من تبوك . قال أبو خيثمة لعمير بن وهب : إن لي ذنبا ، فلا عليك أن تخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل حتى إذا دنا . من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك ، قال الناس : هذا راكب على الطريق مقبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كن أبا خيثمة ؛ فقالوا يا رسول الله هو والله أبو خيثمة . فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولى لك يا أبا خيثمة . ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ، ودعا له بخير [ ص: 521 ] .
قال ابن هشام : وقال أبو خيثمة في ذلك شعرا ، واسمه مالك بن قيس :
لما رأيت الناس في الدين نافقوا أتيت التي كانت أعف وأكرما وبايعت باليمنى يدي لمحمد
فلم أكتسب إثما ولم أغش محرما تركت خضيبا في العريش وصرمة
صفايا كراما بسرها قد تحمما وكنت إذا شك المنافق أسمحت
إلى الدين نفسي شطره حيث يمما