[ ص: 64 ] [ ص: 65 ] [ ص: 66 ] [ ص: 67 ] سورة الحشر
مدنية
قال سعيد بن جبير : قلت : سورة الحشر قال : قل : سورة النضير لابن عباس
بسم الله الرحمن الرحيم
( سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ( 1 ) )
( سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ) قال المفسرون : بني النضير وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل نزلت هذه السورة في المدينة فصالحته بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه فقبل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم . فلما غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدرا وظهر على المشركين قالت بنو النضير : والله إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة لا ترد له راية فلما غزا أحدا وهزم المسلمون ارتابوا وأظهروا العداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين ، ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركب كعب بن الأشرف في أربعين راكبا من اليهود إلى مكة فأتوا قريشا فحالفوهم وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمد - صلى الله عليه وسلم - ودخل أبو سفيان في أربعين وكعب في أربعين من اليهود المسجد الحرام وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الأستار والكعبة . ثم رجع كعب وأصحابه إلى المدينة ونزل جبريل فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما تعاقد عليه كعب وأبو سفيان فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل كعب بن الأشرف فقتله محمد بن مسلمة - ذكرناه في سورة آل عمران .
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - اطلع منهم على خيانة حين أتاهم في دية المسلمين اللذين قتلهما [ ص: 68 ] في منصرفه من عمرو بن أمية الضمري بئر معونة فهموا بطرح حجر عليه من فوق الحصن فعصمه الله وأخبره بذلك - ذكرناه في سورة المائدة .
كعب بن الأشرف أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر الناس بالمسير إلى بني النضير وكانوا بقرية يقال لها زهرة فلما سار إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وجدهم ينوحون على كعب بن الأشرف فقالوا : يا محمد واعية على إثر واعية ، وباكية على إثر باكية قال : نعم . قالوا : ذرنا نبكي شجونا ثم ائتمر أمرك فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اخرجوا من المدينة . فقالوا : الموت أقرب إلينا من ذلك فتنادوا بالحرب وآذنوا بالقتال ودس المنافقون - عبد الله بن أبي وأصحابه - إليهم : أن لا تخرجوا من الحصن فإن قاتلوكم فنحن معكم ولا نخذلكم ولننصرنكم ولئن أخرجتم لنخرجن معكم ، فدربوا على الأزقة وحصنوها . ثم إنهم أجمعوا على الغدر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسلوا إليه : أن اخرج في ثلاثين رجلا من أصحابك وليخرج منا ثلاثون حتى نلتقي بمكان بيننا وبينك فيستمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا كلنا فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبرا من اليهود حتى إذا كانوا في براز من الأرض قال بعض اليهود لبعض : كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلا من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله ؟ ! فأرسلوا إليه : كيف نفهم ونحن ستون رجلا اخرج في ثلاثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلاثة من علمائنا فيستمعوا منك فإن آمنوا بك آمنا كلنا بك وصدقناك فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته بما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبل أخوها سريعا حتى أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - فساره بخبرهم قبل أن يصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم ، فرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكتائب فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة فقذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلح فأبى عليهم إلا أن يخرجوا من المدينة على ما يأمرهم به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقبلوا ذلك فصالحهم على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من أموالهم إلا الحلقة - وهي السلاح - وعلى أن يخلوا لهم ديارهم وعقارهم وسائر أموالهم . فلما قتل
وقال ابن عباس : على أن يحمل كل أهل ثلاثة أبيات على بعير ما شاءوا من متاعهم ، ولنبي الله - صلى الله عليه وسلم - ما بقي . [ ص: 69 ]
وقال الضحاك : أعطي كل ثلاثة نفر بعيرا وسقاة ، ففعلوا ذلك وخرجوا من المدينة إلى الشام إلى أذرعات وأريحاء إلا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق وآل حيي بن أخطب فإنهم لحقوا بخيبر ولحقت طائفة منهم بالحيرة فذلك قوله - عز وجل - : ( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب ) .