يقول تعالى ذكره : وما يكذب بيوم الدين ( إلا كل معتد ) اعتدى على الله في قوله ، فخالف أمره ( أثيم ) بربه .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ويل يومئذ للمكذبين ) قال الله : ( وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ) أي بيوم الدين ، إلا كل معتد في قوله ، أثيم بربه ، ( إذا تتلى عليه آياتنا ) يقول تعالى ذكره : إذا قرئ عليه حججنا وأدلتنا التي بيناها في كتابنا الذي أنزلناه إلى محمد صلى الله عليه وسلم [ ص: 286 ] ( قال أساطير الأولين ) يقول : قال : هذا ما سطره الأولون فكتبوه ، من الأحاديث والأخبار .
وقوله : ( كلا بل ران على قلوبهم ) يقول تعالى ذكره مكذبا لهم في قيلهم ذلك : ( كلا ) ، ما ذلك كذلك ، ولكنه ( ران على قلوبهم ) . يقول : غلب على قلوبهم وغمرها وأحاطت بها الذنوب فغطتها ، يقال منه : رانت الخمر على عقله ، فهي ترين عليه رينا ، وذلك إذا سكر ، فغلبت على عقله; ومنه قول أبي زبيد الطائي :
ثم لما رآه رانت به الخم ر وأن لا ترينه باتقاء
يعني : ترينه بمخافة ، يقول : سكر فهو لا ينتبه; ومنه قول الراجز :
لم نرو حتى هجرت ورين بي ورين بالساقي الذي أمسى معي
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو خالد ، عن ابن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة ، كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) " . " إذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب صقل منها ، فإن عاد عادت حتى تعظم في قلبه ، فذلك الران الذي قال الله : (
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، صفوان بن عيسى ، قال : ثنا ابن عجلان ، عن القعقاع ، عن أبي صالح ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة ، كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) " . " إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر صقلت [ ص: 287 ] قلبه ، فإن زاد زادت حتى تعلو قلبه ، فذلك الران الذي قال الله : (
حدثني علي بن سهيل ، قال : ثنا عن الوليد بن مسلم ، محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة ، كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) " . " إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب منها صقل قلبه ، فإن زاد زادت فذلك قول الله : (
حدثني أبو صالح الضراري محمد بن إسماعيل ، قال : أخبرني طارق بن عبد العزيز ، عن ابن عجلان ، عن القعقاع ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة ، كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : " إن العبد إذا أخطأ خطيئة كانت نكتة في قلبه ، فإن تاب واستغفر ونزع صقلت قلبه ، وذلك الران الذي قال الله : ( أبو صالح : كذا قال : صقلت ، وقال غيره : سقلت .
حدثني علي بن سهيل الرملي ، قال : ثنا الوليد ، عن خليد ، عن الحسن ، قال : وقرأ ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : الذنب على الذنب حتى يموت قلبه .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا عن ابن علية ، أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت .
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : ثنا عن فضيل بن عياض ، منصور ، عن مجاهد ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : ، ثم ترتفع ، حتى تغشى القلب . العبد يعمل بالذنوب فتحيط بالقلب
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، قال : أرانا مجاهد بيده ، قال : كانوا يرون القلب في مثل هذا يعني : الكف ، فإذا أذنب العبد ذنبا ضم منه ، وقال بأصبعه الخنصر هكذا فإذا أذنب ضم أصبعا أخرى ، فإذا أذنب ضم أصبعا أخرى ، حتى ضم أصابعه كلها ، ثم يطبع عليه بطابع ، قال مجاهد : وكانوا يرون أن ذلك الرين .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، الأعمش ، عن مجاهد ، قال : القلب مثل الكف ، فإذا أذنب الذنب قبض أصبعا ، حتى يقبض أصابعه كلها ، وإن أصحابنا يرون أنه الران .
حدثنا أبو كريب مرة أخرى بإسناده عن مجاهد قال : القلب [ ص: 288 ] مثل الكف ، وإذا أذنب انقبض وقبض أصبعه ، فإذا أذنب انقبض حتى ينقبض كله ، ثم يطبع عليه ، فكانوا يرون أن ذلك هو الران ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( بل ران على قلوبهم ) قال : الخطايا حتى غمرته .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( بل ران على قلوبهم ) انبثت على قلبه الخطايا حتى غمرته .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( كلا بل ران على قلوبهم ) يقول : يطبع .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : طبع على قلوبهم ما كسبوا .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن طلحة ، عن عطاء ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : غشيت على قلوبهم فهوت بها ، فلا يفزعون ، ولا يتحاشون .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الحسن ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : هو الذنب حتى يموت القلب .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( كلا بل ران على قلوبهم ) قال : الران : الطبع يطبع القلب مثل الراحة ، فيذنب الذنب فيصير هكذا ، وعقد سفيان الخنصر ، ثم يذنب الذنب فيصير هكذا ، وقبض سفيان كفه ، فيطبع عليه .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) أعمال السوء ، أي والله ذنب على ذنب ، وذنب على ذنب حتى مات قلبه واسود .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : [ ص: 289 ] ( كلا بل ران على قلوبهم ) قال : هذا الذنب على الذنب ، حتى يرين على القلب فيسود .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( كلا بل ران على قلوبهم ) قال : غلب على قلوبهم ذنوبهم ، فلا يخلص إليها معها خير .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : الرجل يذنب الذنب ، فيحيط الذنب بقلبه حتى تغشى الذنوب عليه . قال مجاهد : وهي مثل الآية التي في سورة البقرة ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .