[ ص: 473 ] [ ص: 474 ] [ ص: 475 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم ( 1 ) ) قوله تعالى : (
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا أيها النبي المحرم على نفسه ما أحل الله له ، يبتغي بذلك مرضاة أزواجه ، لم تحرم على نفسك الحلال الذي أحله الله لك ، تلتمس بتحريمك ذلك مرضاة أزواجك .
واختلف أهل العلم في الحلال الذي كان الله جل ثناؤه أحله لرسوله ، فحرمه على نفسه ابتغاء مرضاة أزواجه ، فقال بعضهم : كان ذلك مارية مملوكته القبطية ، حرمها على نفسه بيمين أنه لا يقربها طلبا بذلك رضا زوجته ، لأنها كانت غارت بأن خلا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومها وفي حجرتها . حفصة بنت عمر
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي ، قال : ثني ابن أبي مريم ، قال : ثنا أبو غسان ، قال : ثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب زيد بن أسلم أم إبراهيم في بيت بعض نسائه; قال : فقالت : أي رسول الله ، في بيتي وعلى فراشي ، فجعلها عليه حراما; فقالت : يا رسول الله ، كيف تحرم عليك الحلال؟ ، فحلف لها بالله ألا يصيبها ، فأنزل الله عز وجل ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ) قال زيد : فقوله : أنت علي حرام . لغو .
حدثني يعقوب ، قال : ثني قال : ثنا ابن علية ، عن [ ص: 476 ] داود بن أبي هند ، الشعبي ، قال : مسروق : إن النبي صلى الله عليه وسلم حرم جاريته ، وآلى منها ، فجعل الحلال حراما ، وقال في اليمين : ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) . قال
حدثنا قال : ثنا يونس بن عبد الأعلى ، سفيان ، عن داود ، عن الشعبي ، مسروق ، قال : آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرم ، فعوتب في التحريم ، وأمر بالكفارة في اليمين . عن
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، عن مالك ، عن قال لها : أنت علي حرام ، ووالله لا أطؤك . زيد بن أسلم ،
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ) قال : كان الشعبي يقول : حرمها عليه ، وحلف لا يقربها ، فعوتب في التحريم ، وجاءت الكفارة في اليمين .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم جاريته . قال وعامر الشعبي ، الشعبي : حلف بيمين مع التحريم ، فعاتبه الله في التحريم ، وجعل له كفارة اليمين .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) قال : إنه وجدت امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جاريته في بيتها ، فقالت : يا رسول الله أنى كان هذا الأمر ، وكنت أهونهن عليك؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اسكتي ، لا تذكري هذا لأحد ، هي علي حرام إن قربتها بعد هذا أبدا" فقالت : يا رسول الله ، وكيف تحرم عليك ما أحل الله لك حين تقول : هي علي حرام أبدا؟ فقال : والله لا آتيها أبدا ، فقال الله : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) . . . الآية ، قد غفرت هذا لك ، وقولك : والله ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم ) . [ ص: 477 ]
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتاة ، فغشيها ، فبصرت به حفصة ، وكان اليوم يوم عائشة ، وكانتا متظاهرتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اكتمي علي ولا تذكري ما رأيت" فذكرت لعائشة حفصة فغضبت لعائشة ، عائشة ، فلم تزل بنبي الله صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن لا يقربها أبدا ، فأنزل الله هذه الآية ، وأمره أن يكفر يمينه ، ويأتي جاريته . ثنا
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عامر ، في قول الله ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) في جارية أتاها ، فاطلعت عليه حفصة ، فقال : هي علي حرام ، فاكتمي ذلك ، ولا تخبري به أحدا ، فذكرت ذلك . عن
وقال آخرون : بل حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته ، فجعل الله عز وجل تحريمه إياها بمنزلة اليمين ، فأوجب فيها من الكفارة مثل ما أوجب في اليمين إذا حنث فيها صاحبها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إذا حرموا شيئا مما أحل الله لهم أن يكفروا أيمانهم بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة ، وليس يدخل ذلك في طلاق .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، ابن عباس ، قوله : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) . . . إلى قوله : ( وهو العليم الحكيم ) قال : كانت حفصة متحابتين ، وكانتا زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فذهبت وعائشة حفصة إلى أبيها ، فتحدثت عنده ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جاريته ، فظلت معه في بيت حفصة ، وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة ، فرجعت حفصة ، فوجدتهما [ ص: 478 ] في بيتها ، فجعلت تنتظر خروجها ، وغارت غيرة شديدة ، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته ، ودخلت حفصة فقالت : قد رأيت من كان عندك ، والله لقد سؤتني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "والله لأرضينك ، فإني مسر إليك سرا فاحفظيه" قالت : ما هو؟ قال : "إني أشهدك أن سريتي هذه على حرام رضا لك" .
كانت حفصة تظاهران على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فانطلقت وعائشة حفصة إلى عائشة ، فأسرت إليها أن أبشري ، إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حرم عليه فتاته ، فلما أخبرت بسر النبي صلى الله عليه وسلم أظهر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله على رسوله لما تظاهرتا عليه ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ) . . . إلى قوله : ( وهو العليم الحكيم ) . عن
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا قال : ثنا ابن علية ، قال : كتب إلي هشام الدستوائي ، يحيى يحدث عن يعلى بن حكيم ، عن سعيد بن جبير ، أن ابن عباس كان يقول : في الحرام يمين تكفرها . وقال ابن عباس : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم جاريته ، فقال الله جل ثناؤه : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) . . . إلى قوله : ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) فكفر يمينه ، فصير الحرام يمينا .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر ، عن أبيه ، قال : أنبأنا أبو عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيت حفصة ، فإذا هي ليست ثم ، فجاءته فتاته ، وألقى عليها سترا ، فجاءت حفصة فقعدت على الباب حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته ، فقالت : والله لقد سؤتني ، جامعتها في بيتي ، أو كما قالت; قال : وحرمها النبي صلى الله عليه وسلم ، أو كما قال .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) . . . الآية ، قال : كان حرم فتاته القبطية أم ولده [ ص: 479 ] إبراهيم يقال لها مارية في يوم حفصة ، وأسر ذلك إليها ، فأطلعت عليه عائشة ، وكانتا تظاهران على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فأحل الله له ما حرم على نفسه ، فأمر أن يكفر عن يمينه ، وعوتب في ذلك ، فقال : ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم ) قال قتادة : وكان الحسن يقول : حرمها عليه ، فجعل الله فيها كفارة يمين .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر ، قتادة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها ، يعني جاريته ، فكانت يمينا . عن
حدثنا سعيد بن يحيى ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، ابن عباس ، قال : "قلت رضي الله عنه : من المرأتان؟ قال : لعمر بن الخطاب عائشة ، . وكان بدء الحديث في شأن وحفصة أم إبراهيم القبطية ، أصابها النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة في يومها ، فوجدته حفصة ، فقالت : يا نبي الله لقد جئت إلي شيئا ما جئت إلى أحد من أزواجك بمثله ، في يومي وفي دوري ، وعلى فراشي ، قال : "ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها؟ " قالت : بلى ، فحرمها ، وقال : لا تذكري ذلك لأحد" فذكرته فأظهره الله عز وجل عليه ، فأنزل الله ( لعائشة ، يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ) . . . الآيات كلها ، فبلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كفر يمينه ، وأصاب جاريته" . عن
وقال آخرون : كان ذلك شرابا يشربه ، كان يعجبه ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، أبو داود ، قال : ثنا شعبة ، عن عن قيس بن مسلم ، قال : نزلت هذه الآية في شراب ( عبد الله بن شداد بن الهاد ، يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ) .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، أبو قطن البغدادي عمرو بن الهيثم ، قال : ثنا شعبة ، عن عن قيس بن مسلم ، مثله . [ ص: 480 ] عبد الله بن شداد
قال : ثنا أبو قطن ، قال : ثنا يزيد بن إبراهيم ، عن قال : نزلت في شراب . ابن أبي مليكة ،
والصواب من القول في ذلك أن يقال : كان الذي حرمه النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه شيئا كان الله قد أحله له ، وجائز أن يكون ذلك كان جاريته ، وجائز أن يكون كان شرابا من الأشربة ، وجائز أن يكون كان غير ذلك ، غير أنه أي ذلك كان ، فإنه كان تحريم شيء كان له حلالا ، فعاتبه الله على تحريمه على نفسه ما كان له قد أحله ، وبين له تحلة يمينه ، في يمين كان حلف بها مع تحريمه ما حرم على نفسه .
فإن قال قائل : وما برهانك على أنه صلى الله عليه وسلم كان حلف مع تحريمه ما حرم ، فقد علمت قول من قال : لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك غير التحريم ، وأن التحريم هو اليمين؟ قيل : البرهان على ذلك واضح ، وهو أنه لا يعقل في لغة عربية ولا عجمية أن قول القائل لجاريته ، أو لطعام أو شراب : هذا علي حرام ، يمين ، فإذا كان ذلك غير معقول ، فمعلوم أن اليمين غير قول القائل للشيء الحلال له : هو علي حرام . وإذا كان ذلك كذلك صح ما قلنا ، وفسد ما خالفه .
وبعد ، فجائز أن يكون تحريم النبي صلى الله عليه وسلم ما حرم على نفسه من الحلال الذي كان الله تعالى ذكره ، أحله له بيمين ، فيكون قوله : ( لم تحرم ما أحل الله ) معناه : لم تحلف على الشيء الذي قد أحله الله أن لا تقربه ، فتحرمه على نفسك باليمين .
وإنما قلنا : إن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ذلك ، وحلف مع تحريمه ، كما حدثني الحسن بن قزعة ، قال : ثنا مسلمة بن علقمة ، عن عن داود بن أبي هند ، الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرم ، فأمر في الإيلاء بكفارة ، وقيل له في التحريم ( لم تحرم ما أحل الله لك ) .
وقوله : ( والله غفور رحيم ) يقول تعالى ذكره : والله غفور يا محمد [ ص: 481 ] لذنوب التائبين من عباده من ذنوبهم ، وقد غفر لك تحريمك على نفسك ما أحله الله لك ، رحيم بعباده أن يعاقبهم على ما قد تابوا منه من الذنوب بعد التوبة .