القول في تأويل قوله تعالى : ( فلما أسلما وتله للجبين ( 103 ) وناديناه أن يا إبراهيم ( 104 ) قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ( 105 ) إن هذا لهو البلاء المبين ( 106 ) )
يقول - تعالى ذكره - : فلما أسلما أمرهما لله وفوضاه إليه واتفقا على التسليم لأمره والرضا بقضائه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني سليمان بن عبد الجبار قال : ثنا ثابت بن محمد ، وحدثنا ابن بشار قال : ثنا مسلم بن صالح ، قالا ثنا عن عبد الله بن المبارك ، إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله ( فلما أسلما ) قال : اتفقا على أمر واحد .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن واضح الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة قوله ( فلما أسلما وتله للجبين ) قال : أسلما جميعا لأمر الله ورضي الغلام بالذبح ، ورضي الأب بأن يذبحه ، فقال : يا أبت اقذفني للوجه كيلا تنظر إلي فترحمني ، وأنظر أنا إلى الشفرة فأجزع ، ولكن أدخل الشفرة من تحتي ، وامض لأمر الله ، فذلك قوله ( فلما أسلما وتله للجبين ) فلما فعل ذلك ( وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ) .
[ ص: 76 ] حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فلما أسلما ) قال : أسلم هذا نفسه لله ، وأسلم هذا ابنه لله .
حدثنا محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله ( فلما أسلما ) قال : أسلما ما أمرا به .
حدثني موسى قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط ، عن ( فلما أسلما ) يقول : أسلما لأمر الله . السدي
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( فلما أسلما ) : أي سلم إبراهيم لذبحه حين أمر به ، وسلم ابنه للصبر عليه ، حين عرف أن الله أمره بذلك فيه .
وقوله ( وتله للجبين ) يقول : وصرعه للجبين ، والجبينان ما عن يمين الجبهة وعن شمالها ، وللوجه جبينان ، والجبهة بينهما .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو العاصم قال : ثنا عيسى : وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله ( وتله للجبين ) قال : وضع وجهه للأرض قال : لا تذبحني وأنت تنظر إلى وجهي عسى أن ترحمني ، ولا تجهز علي ، اربط يدي إلى رقبتي ثم ضع وجهي للأرض .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وتله للجبين ) : أى وكبه لفيه وأخذ الشفرة ( وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ) حتى بلغ ( وفديناه بذبح عظيم )
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، [ ص: 78 ] عن أبيه ، عن ابن عباس ( وتله للجبين ) قال : أكبه على جبهته .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وتله للجبين ) قال : جبينه قال : أخذ جبينه ليذبحه .
حدثنا ابن سنان قال : ثنا حجاج ، عن حماد ، عن أبي عاصم الغنوي عن قال : قال أبي الطفيل ابن عباس : إن إبراهيم لما أمر بالمناسك عرض له الشيطان عند المسعى فسابقه ، فسبقه إبراهيم ، ثم ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى ، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم تله للجبين ، وعلى إسماعيل قميص أبيض ، فقال له : يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غير هذا ، فاخلعه حتى تكفنني فيه ، فالتفت إبراهيم فإذا هو بكبش أعين أبيض فذبحه ، فقال ابن عباس : لقد رأيتنا نتبع هذا الضرب من الكباش .
وقوله ( وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ) وهذا جواب قوله ( فلما أسلما ) ومعنى الكلام : فلما أسلما وتله للجبين ، وناديناه أن يا إبراهيم ، وأدخلت الواو في ذلك كما أدخلت في قوله ( حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ) وقد تفعل العرب ذلك فتدخل الواو في جواب فلما ، وحتى ، وإذا تلقيها .
ويعني بقوله ( قد صدقت الرؤيا ) التي أريناكها في منامك بأمرناك بذبح ابنك .
وقوله ( إنا كذلك نجزي المحسنين ) يقول : إنا كما جزيناك بطاعتنا يا إبراهيم ، كذلك نجزي الذين أحسنوا ، وأطاعوا أمرنا ، وعملوا في رضانا .
وقوله ( إن هذا لهو البلاء المبين ) : يقول - تعالى ذكره - : إن أمرنا إياك يا إبراهيم بذبح ابنك إسحاق ، لهو البلاء ، يقول : لهو الاختبار الذي يبين لمن فكر فيه أنه بلاء شديد ومحنة عظيمة . وكان ابن زيد يقول : البلاء في هذا الموضع الشر وليس باختبار .
[ ص: 79 ] حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ابن زيد ، في قوله ( إن هذا لهو البلاء المبين ) قال : هذا فى البلاء الذي نزل به في أن يذبح ابنه . ( صدقت الرؤيا ) : ابتليت ببلاء عظيم أمرت أن تذبح ابنك قال : وهذا من البلاء المكروه وهو الشر وليس من بلاء الاختبار .