[ ص: 561 ] القول في قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ( 26 ) ) تأويل قوله تعالى : (
يقول تعالى ذكره : قالت إحدى المرأتين اللتين سقى لهما موسى لأبيها حين أتاه موسى ، وكان اسم إحداهما صفورا ، واسم الأخرى ليا ، وقيل : شرفا كذلك .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قال : أخبرني ابن جريج ، وهب بن سليمان الرمادي ، عن شعيب الجبئي ، قال : اسم الجاريتين ليا ، وصفورا ، وامرأة موسى صفورا ابنة يثرون كاهن مدين ، والكاهن : حبر .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : إحداهما صفورا ابنة يثرون وأختها شرفا ، ويقال : ليا ، وهما اللتان كانتا تذودان . وأما أبوهما ففي اسمه اختلاف ، فقال بعضهم : كان اسمه يثرون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، قال : كان الذي استأجر موسى ابن أخي شعيب يثرون .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، قال : الذي استأجر موسى يثرون ابن أخي شعيب عليه السلام .
وقال آخرون : بل اسمه : يثرى .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا العلاء بن عبد الجبار ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي حمزة ، عن ابن عباس قال : الذي استأجر موسى : يثرى صاحب مدين .
حدثني أبو العالية العبدي إسماعيل بن الهيثم ، قال : ثنا أبو قتيبة ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي حمزة ، عن ابن عباس ، قال : الذي استأجر موسى : يثرى صاحب مدين .
حدثني أبو العالية العبدي إسماعيل بن الهيثم ، قال : ثنا أبو قتيبة ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي حمزة ، عن ابن عباس ، قال : اسم أبي المرأة : يثرى . [ ص: 562 ]
وقال آخرون : بل اسمه شعيب ، وقالوا : هو شعيب النبي صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا قرة بن خالد ، قال : سمعت الحسن يقول : يقولون شعيب صاحب موسى ، ولكنه سيد أهل الماء يومئذ .
قال أبو جعفر : وهذا مما لا يدرك علمه إلا بخبر ، ولا خبر بذلك تجب حجته ، فلا قول في ذلك أولى بالصواب مما قاله الله جل ثناؤه ( ووجد من دونهم امرأتين تذودان ) ( قالت إحداهما يا أبت استأجره ) تعني بقولها : استأجره ليرعى عليك ماشيتك .
( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) تقول : إن خير من تستأجره للرعي القوي على حفظ ماشيتك والقيام عليها في إصلاحها وصلاحها ، الأمين الذي لا تخاف خيانته ، فيما تأمنه عليه .
وقيل : إنها لما قالت ذلك لأبيها ، استنكر أبوها ذلك من وصفها إياه فقال لها : وما علمك بذلك ؟ فقالت : أما قوته فما رأيت من علاجه ما عالج عند السقي على البئر ، وأما الأمانة فما رأيت من غض البصر عني .
وبنحو ذلك جاءت الأخبار عن أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ بن زيد ، عن القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : ( قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) قال : فأحفظته الغيرة أن قال : وما يدريك ما قوته وأمانته ؟ قالت : أما قوته ، فما رأيت منه حين سقى لنا ، لم أر رجلا قط أقوى في ذلك السقي منه ; وأما أمانته ، فإنه نظر حين أقبلت إليه وشخصت له ، فلما علم أني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه ، ولم ينظر إلي حتى بلغته رسالتك ، ثم قال : امشي خلفي وانعتي لي الطريق ، ولم يفعل ذلك إلا وهو أمين ، فسري عن أبيها وصدقها وظن به الذي قالت .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : لموسى ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) يقول : أمين فيما ولي ، أمين على ما استودع .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، [ ص: 563 ] عن ابن عباس ، قوله : ( قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) قال : إن موسى لما سقى لهما ، ورأت قوته ، وحرك حجرا على الركية ، لم يستطعه ثلاثون رجلا فأزاله عن الركية ، وانطلق مع الجارية حين دعته ، فقال لها : امشي خلفي وأنا أمامك ، كراهية أن يرى شيئا من خلفها مما حرم الله أن ينظر إليه ، وكان يوما فيه ريح .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن عبد الرحمن بن أبي نعم ، في قوله : ( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) قال لها أبوها : ما رأيت من أمانته ؟ قالت : لما دعوته مشيت بين يديه ، فجعلت الريح تضرب ثيابي ، فتلزق بجسدي ، فقال : كوني خلفي ، فإذا بلغت الطريق فاذهبي ، قالت : ورأيته يملأ الحوض بسجل واحد .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( القوي الأمين ) قال : غض طرفه عنهما . قال محمد بن عمرو في حديثه : حين ، أو حتى سقى لهما فصدرتا . وقال الحارث في حديثه : حتى سقى ؛ بغير شك .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، قال : فتح عن بئر حجرا على فيها ، فسقى لهما بها ، والأمين : أنه غض بصره عنهما حين سقى لهما فصدرتا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو خالد الأحمر وهانئ بن سعيد ، عن الحجاج ، عن القاسم ، عن مجاهد ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) قال : رفع حجرا لا يرفعه إلا فئام من الناس .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، قال عمرو بن ميمون ، في قوله : ( القوي الأمين ) قال : كان يوم ريح ، فقال : لا تمشي أمامي ، فيصفك الريح لي ، ولكن امشي خلفي ودليني على الطريق ; قال : فقال لها : كيف عرفت قوته ؟ قالت : كان الحجر لا يطيقه إلا عشرة فرفعه وحده .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني أبو معاوية ، عن الحجاج بن أرطأة ، عن الحكم ، عن شريح في قوله : ( القوي الأمين ) قال : أما قوته : فانتهى إلى حجر لا يرفعه إلا عشرة ، فرفعه وحده . وأما أمانته : فإنها مشت أمامه فوصفها الريح ، فقال لها : امشي خلفي وصفي لي الطريق . [ ص: 564 ]
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن عمرو ، عن زائدة ، عن الأعمش ، قال : سألت تميم بن إبراهيم : بم عرفت أمانته ؟ قال : في طرفه ، بغض طرفه عنها .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) قال : القوي في الصنعة ، الأمين فيما ولي .
قال : وذكر لنا أن الذي رأت من قوته : أنه لم تلبث ماشيتها حتى أرواها ; وأن الأمانة التي رأت منه أنها حين جاءت تدعوه ، قال لها : كوني ورائي ، وكره أن يستدبرها ، فذلك ما رأت من قوته وأمانته .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : ( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) قال : بلغنا أن قوته كانت سرعة ما أروى غنمهما . وبلغنا أنه ملأ الحوض بدلو واحد . وأما أمانته فإنه أمرها أن تمشي خلفه .
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن : ( السدي قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) وهي الجارية التي دعته ، قال الشيخ : هذه القوة قد رأيت حين اقتلع الصخرة ، أرأيت أمانته ، ما يدريك ما هي ؟ قالت : مشيت قدامه فلم يحب أن يخونني في نفسي ، فأمرني أن أمشي خلفه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) فقال لها : وما علمك بقوته وأمانته ؟ فقالت : أما قوته فإنه كشف الصخرة التي على بئر آل فلان ، وكان لا يكشفها دون سبعة نفر . وأما أمانته فإني لما جئت أدعوه قال : كوني خلف ظهري ، وأشيري لي إلى منزلك ، فعرفت أن ذلك منه أمانة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) لما رأت من قوته وقوله : لها ما قال : أن امشي خلفي ، لئلا يرى منها شيئا مما يكره ، فزاده ذلك فيه رغبة .