القول في وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين ( 16 ) ) تأويل قوله تعالى : (
يقول تعالى ذكره : ( وورث سليمان ) أباه ( داود ) العلم الذي كان آتاه الله في حياته ، والملك الذي كان خصه به على سائر قومه ، فجعله له بعد أبيه داود دون سائر ولد أبيه ( وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير ) يقول : وقال سليمان لقومه : يا أيها الناس علمنا منطق الطير ، يعني فهمنا كلامها ; وجعل ذلك من الطير كمنطق الرجل من بني آدم إذ فهمه عنها .
وقد حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب : ( وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير ) قال : بلغنا أن سليمان كان عسكره مائة فرسخ : خمسة وعشرون منها للإنس ، وخمسة وعشرون للجن ، وخمسة وعشرون للوحش ، وخمسة وعشرون للطير ، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب ; فيها ثلاث مائة صريحة ، وسبع مائة سرية ، فأمر الريح العاصف فرفعته ، وأمر الرخاء [ ص: 438 ] فسيرته ، فأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والأرض : إني قد أردت أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت الريح فأخبرته . وقوله : ( وأوتينا من كل شيء ) يقول : وأعطينا ووهب لنا من كل شيء من الخيرات ( إن هذا لهو الفضل المبين ) يقول : إن هذا الذي أوتينا من الخيرات لهو الفضل على جميع أهل دهرنا المبين ، يقول : الذي يبين لمن تأمله وتدبره أنه فضل أعطيناه على من سوانا من الناس .