الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ) [ ص: 586 ] يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :

ألم تر يا محمد بقلبك ، فتعلم أن الله يسجد له من في السماوات من الملائكة ، ومن في الأرض من الخلق من الجن وغيرهم ، والشمس والقمر والنجوم في السماء ، والجبال ، والشجر ، والدواب في الأرض ، وسجود ذلك ظلاله حين تطلع عليه الشمس ، وحين تزول ، إذا تحول ظل كل شيء فهو سجوده .

كما حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قوله : ( ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ) قال : ظلال هذا كله .

وأما سجود الشمس والقمر والنجوم ، فإنه كما حدثنا به ابن بشار قال : ثنا ابن أبي عدي ومحمد بن جعفر قالا ثنا عوف قال : سمعت أبا العالية الرياحي يقول : ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر ، إلا يقع لله ساجدا حين يغيب ، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له ، فيأخذ ذات اليمين ، وزاد محمد : حتى يرجع إلى مطلعه .

وقوله : ( وكثير من الناس ) يقول : ويسجد كثير من بني آدم ، وهم المؤمنون بالله .

كما حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد : ( وكثير من الناس ) قال : المؤمنون . وقوله : ( وكثير حق عليه العذاب ) يقول تعالى ذكره : وكثير من بني آدم حق عليه عذاب الله ، فوجب عليه بكفره به ، وهو مع ذلك يسجد لله ظله .

كما حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد ( وكثير حق عليه العذاب ) وهو يسجد مع ظله ، فعلى هذا التأويل الذي ذكرناه عن مجاهد وقع قوله ( وكثير حق عليه العذاب ) بالعطف على قوله ( وكثير من الناس ) ويكون داخلا في عداد من وصفه الله بالسجود له ، ويكون قوله ( حق عليه العذاب ) من صلة كثير ، ولو كان " الكثير الثاني من لم يدخل في عداد من وصف بالسجود كان مرفوعا بالعائد من ذكره في قوله : ( حق عليه العذاب ) وكان معنى الكلام حينئذ : وكثير أبى السجود ، لأن [ ص: 587 ] قوله ( حق عليه العذاب ) يدل على معصية الله وإبائه السجود ، فاستحق بذلك العذاب .



التالي السابق


الخدمات العلمية