القول في تأويل وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ( 84 ) ) قوله تعالى : (
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وأرسلنا إلى ولد مدين أخاهم شعيبا ، فلما أتاهم قال : ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) ، يقول : أطيعوه ، وتذللوا له بالطاعة لما أمركم به ونهاكم عنه ( ما لكم من إله غيره ) ، يقول : ما لكم من معبود سواه يستحق عليكم العبادة غيره ( ولا تنقصوا المكيال والميزان ) ، يقول : ولا تنقصوا الناس حقوقهم في مكيالكم وميزانكم ( إني أراكم بخير ) .
واختلف أهل التأويل في "الخير" الذي أخبر الله عن شعيب أنه قال لمدين إنه يراهم به .
فقال بعضهم : كان ذلك رخص السعر وحذرهم غلاءه . [ ص: 444 ]
ذكر من قال ذلك :
18467 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال ، حدثنا عبد الله بن داود الواسطي قال ، حدثنا محمد بن موسى ، عن الذيال بن عمرو ، عن ابن عباس : ( إني أراكم بخير ) ، قال : رخص السعر ( وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ) ، قال : غلاء سعر .
18468 - حدثني أحمد بن عمرو البصري قال ، حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث قال ، حدثنا صالح بن رستم ، عن الحسن ، وذكر قوم شعيب قال : ( إني أراكم بخير ) ، قال : رخص السعر .
18469 - حدثني محمد بن عمرو بن علي قال ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن عن أبي عامر الخراز ، الحسن في قوله : ( إني أراكم بخير ) قال : الغنى ورخص السعر .
وقال آخرون : عنى بذلك : إني أرى لكم مالا وزينة من زين الدنيا .
ذكر من قال ذلك : -
18470 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( إني أراكم بخير ) ، قال : يعني خير الدنيا وزينتها .
18471 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة [ ص: 445 ] قوله : ( إني أراكم بخير ) ، أبصر عليهم قشرا من قشر الدنيا وزينتها .
18472 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( إني أراكم بخير ) ، قال : في دنياكم ، كما قال الله تعالى : ( إن ترك خيرا ) ، سماه " خيرا" لأن الناس يسمون المال "خيرا " .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما أخبر الله عن شعيب أنه قال لقومه ، وذلك قوله : ( إني أراكم بخير ) ، يعني بخير الدنيا . وقد يدخل في خير الدنيا ، المال وزينة الحياة الدنيا ، ورخص السعر ولا دلالة على أنه عني بقيله ذلك بعض خيرات الدنيا دون بعض ، فذلك على كل معاني خيرات الدنيا التي ذكر أهل العلم أنهم كانوا أوتوها .
وإنما قال ذلك شعيب ، لأن قومه كانوا في سعة من عيشهم ورخص من أسعارهم ، كثيرة أموالهم ، فقال لهم : لا تنقصوا الناس حقوقهم في مكاييلكم وموازينكم ، فقد وسع الله عليكم رزقكم ، ( وإني أخاف عليكم ) ، بمخالفتكم أمر الله ، وبخسكم الناس أموالهم في مكاييلكم وموازينكم ( عذاب يوم محيط ) ، يقول : أن ينزل بكم عذاب يوم محيط بكم عذابه . فجعل "المحيط" نعتا لليوم ، وهو من نعت "العذاب" ، إذ كان مفهوما معناه ، وكان العذاب في اليوم ، فصار كقولهم : "بعض جبتك محترقة" .