قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وجاء لوطا قومه يستحثون إليه ، يرعدون مع سرعة المشي ، مما بهم من طلب الفاحشة .
يقال : "أهرع الرجل " ، من برد أو غضب أو حمى ، إذا أرعد ، "وهو مهرع" ، إذا كان معجلا حريصا ، كما قال الراجز : [ ص: 412 ]
بمعجلات نحوه مهارع
ومنه قول مهلهل :
فجاءوا يهرعون وهم أسارى نقودهم على رغم الأنوف
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
18361 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( يهرعون إليه ) ، قال : يهرولون ، وهو الإسراع في المشي .
18362 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
18363 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، نحوه .
18364 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد والمحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : ( وجاءه قومه يهرعون إليه ) ، قال : يسعون إليه .
18365 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : قال : فأتوه يهرعون إليه ، يقول : سراعا إليه .
18366 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( يهرعون إليه ) ، قال : يسرعون إليه .
18367 - حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن : ( السدي وجاءه قومه يهرعون إليه ) ، يقول : يسرعون المشي إليه .
18368 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا يحيى بن [ ص: 413 ] زكريا ، عن عن ابن جريج ، مجاهد : ( وجاءه قومه يهرعون إليه ) ، قال : يهرولون في المشي قال سفيان : ( يهرعون إليه ) ، يسرعون إليه .
18369 - حدثنا سوار بن عبد الله قال ، قال سفيان بن عيينة في قوله : ( يهرعون إليه ) ، قال : كأنهم يدفعون .
18370 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب قال ، حدثنا حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية قال ، أقبلوا يسرعون مشيا بين الهرولة والجمز .
18371 - حدثني علي بن داود قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس ، قوله : ( وجاءه قومه يهرعون إليه ) ، يقول : مسرعين .
وقوله : ( ومن قبل كانوا يعملون السيئات ) ، يقول : من قبل مجيئهم إلى لوط ، كانوا يأتون الرجال في أدبارهم ، كما : -
18372 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن قوله : ( ابن جريج ومن قبل كانوا يعملون السيئات ) ، قال : يأتون الرجال .
وقوله : ( قال يا قوم هؤلاء بناتي ) ، يقول تعالى ذكره : قال لوط لقومه لما جاؤوه يراودونه عن ضيفه : هؤلاء يا قوم بناتي يعني نساء أمته فانكحوهن فهن أطهر لكم ، كما : -
18373 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، قال : أمرهم لوط بتزويج النساء وقال : ( هن أطهر لكم ) .
18374 - حدثنا محمد قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : وبلغني هذا أيضا عن مجاهد .
18375 - حدثنا ابن وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : ( قال ياقوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، قال : لم تكن بناته ، ولكن كن من أمته ، وكل نبي أبو أمته .
18376 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عن ابن علية ، ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، قال : أمرهم أن يتزوجوا النساء ، لم يعرض عليهم سفاحا .
18377 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا أبو بشر ، سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله : ( هن أطهر لكم ) ، قال : ما عرض عليهم نكاحا ولا سفاحا .
18378 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) قال : أمرهم أن يتزوجوا النساء ، وأراد نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يقي أضيافه ببناته .
18379 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال ، أخبرنا أبو جعفر عن الربيع ، في قوله : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، يعني التزويج حدثني أبو جعفر ، عن الربيع في قوله : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، يعني التزويج .
18380 - حدثني المثنى قال ، حدثنا قال ، حدثنا أبو النعمان عارم حماد بن زيد قال ، حدثنا محمد بن شبيب الزهراني ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، في قول لوط : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، يعني : نساءهم ، هن بناته ، هو نبيهم وقال في بعض القراءة : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم ) ، [ سورة الأحزاب : 6 ] . [ ص: 415 ]
18381 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن : ( السدي وجاءه قومه يهرعون ) ، قالوا : أو لم ننهك أن تضيف العالمين؟ قال : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، إن كنتم فاعلين ، أليس منكم رجل رشيد؟
18382 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما جاءت الرسل لوطا أقبل قومه إليهم حين أخبروا بهم يهرعون إليه . فيزعمون ، والله أعلم ، أن امرأة لوط هي التي أخبرتهم بمكانهم ، وقالت : إن عند لوط لضيفانا ما رأيت أحسن ولا أجمل قط منهم ! وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء ، فاحشة لم يسبقهم بها أحد من العالمين . فلما جاؤوه قالوا : أو لم ننهك عن العالمين؟ أي : ألم نقل لك : لا يقربنك أحد ، فإنا لن نجد عندك أحدا إلا فعلنا به الفاحشة؟ قال : "يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" ، فأنا أفدي ضيفي منكم بهن ، ولم يدعهم إلا إلى الحلال من النكاح .
18383 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد قوله : ( هؤلاء بناتي ) ، قال : النساء .
واختلفت القراة في قراءة قوله : ( هن أطهر لكم ) .
فقرأته عامة القرأة برفع : ( أطهر ) ، على أن جعلوا "هن" اسما ، "وأطهر" خبره ، كأنه قيل : بناتي أطهر لكم مما تريدون من الفاحشة من الرجال .
وذكر عن عيسى بن عمر البصري أنه كان يقرأ ذلك : ( هن أطهر لكم ) ، بنصب "أطهر" .
وكان بعض نحويي البصرة يقول : هذا لا يكون ، إنما ينصب خبر الفعل الذي لا يستغني عن الخبر إذا كان بين الاسم والخبر هذه الأسماء المضمرة . [ ص: 416 ]
وكان بعض نحويي الكوفة يقول : من نصبه جعله نكرة خارجة من المعرفة ، ويكون قوله : "هن" عمادا للفعل فلا يعمله .
وقال آخر منهم : مسموع من العرب : "هذا زيد إياه بعينه" ، قال : فقد جعله خبرا ل "هذا" مثل قولك : "كان عبد الله إياه بعينه" . قال : وإنما لم يجز أن يقع الفعل ههنا ، لأن التقريب رد كلام ، فلم يجتمعا ، لأنه يتناقض ، لأن ذلك إخبار عن معهود ، وهذا إخبار عن ابتداء ما هو فيه : "ها أنا ذا حاضر" ، أو : "زيد هو العالم" ، فتناقض أن يدخل المعهود على الحاضر ، فلذلك لم يجز .
قال أبو جعفر : والقراءة التي لا أستجيز خلافها في ذلك ، الرفع : ( هن أطهر لكم ) ، لإجماع الحجة من قرأة الأمصار عليه ، مع صحته في العربية ، وبعد النصب فيه من الصحة .
وقوله : ( فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي ) ، يقول : فاخشوا الله ، أيها الناس ، واحذروا عقابه ، في إتيانكم الفاحشة التي تأتونها وتطلبونها ( ولا تخزون في ضيفي ) ، يقول : ولا تذلوني بأن تركبوا مني في ضيفي ما يكرهون أن تركبوه منهم .
و"الضيف " ، في لفظ واحد في هذا الموضع بمعنى جمع . والعرب تسمي الواحد والجمع "ضيفا" بلفظ واحد . كما قالوا : "رجل عدل ، وقوم عدل" . [ ص: 417 ]
وقوله : ( أليس منكم رجل رشيد ) ، يقول : أليس منكم رجل ذو رشد ، ينهى من أراد ركوب الفاحشة من ضيفي ، فيحول بينهم وبين ذلك؟ كما : -
18384 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد ) ، أي رجل يعرف الحق وينهى عن المنكر؟