القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( 93 ) )
قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : ولقد أنزلنا بني إسرائيل منازل صدق .
قيل : عنى بذلك الشأم وبيت المقدس .
وقيل : عنى به الشأم ومصر .
ذكر من قال ذلك :
17882 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا المحاربي وأبو خالد عن جويبر عن الضحاك : ( مبوأ صدق ) ، قال : منازل صدق مصر والشأم . [ ص: 199 ]
17883 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة : ( مبوأ صدق ) ، قال : بوأهم الله الشأم وبيت المقدس .
17884 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : ( ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ) ، الشام . وقرأ : ( إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) [ سورة الأنبياء : 71 ]
وقوله : ( ورزقناهم من الطيبات ) ، يقول : ورزقنا بني إسرائيل من حلال الرزق وهو ( الطيب ) .
وقوله : ( فما اختلفوا حتى جاءهم العلم ) ، يقول جل ثناؤه : فما اختلف هؤلاء الذين فعلنا بهم هذا الفعل من بني إسرائيل حتى جاءهم ما كانوا به عالمين . وذلك أنهم كانوا قبل أن يبعث محمد النبي - صلى الله عليه وسلم - مجمعين على نبوة محمد والإقرار به وبمبعثه ، غير مختلفين فيه بالنعت الذي كانوا يجدونه مكتوبا عندهم ، فلما جاءهم ما عرفوا كفر به بعضهم وآمن به بعضهم ، والمؤمنون به منهم كانوا عددا قليلا . فذلك قوله : فما اختلفوا حتى جاءهم المعلوم الذي كانوا يعلمونه نبيا لله فوضع ( العلم ) مكان ( المعلوم ) .
وكان بعضهم يتأول ( العلم ) هاهنا ، كتاب الله ووحيه .
ذكر من قال ذلك :
17885 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( فما اختلفوا حتى جاءهم العلم ) ، قال : ( العلم ) ، كتاب الله الذي [ ص: 200 ] أنزله ، وأمره الذي أمرهم به ، وهل اختلفوا حتى جاءهم العلم بغيا بينهم ؟ أهل هذه الأهواء ، هل اقتتلوا إلا على البغي ، قال : و " البغي " وجهان : وجه النفاسة في الدنيا ومن اقتتل عليها من أهلها ، وبغي في " العلم " ، يرى هذا جاهلا مخطئا ، ويرى نفسه مصيبا عالما ، فيبغي بإصابته وعلمه على هذا المخطئ .
وقوله : ( إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن ربك ، يا محمد يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل فيك يوم القيامة ، فيما كانوا فيه من أمري في الدنيا يختلفون ، بأن يدخل المكذبين بك منهم النار ، والمؤمنين بك منهم الجنة ، فذلك قضاؤه يومئذ فيما كانوا فيه يختلفون من أمر محمد ، صلى الله عليه وسلم .