قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ، إن الذين صدقوا الله ورسوله ( وعملوا الصالحات ) ، وذلك العمل بطاعة الله والانتهاء إلى أمره ( يهديهم ربهم بإيمانهم ) ، يقول : يرشدهم ربهم بإيمانهم به إلى الجنة ، كما :
17558 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم ) بلغنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة فيقول له : ما أنت ؟ فوالله إني لأراك امرأ صدق! فيقول : أنا عملك! فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة . وأما الكافر إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة سيئة وشارة سيئة [ ص: 28 ] فيقول : ما أنت ؟ فوالله إني لأراك امرأ سوء! فيقول : أنا عملك! فينطلق به حتى يدخله النار .
17559 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : ( يهديهم ربهم بإيمانهم ) ، قال : يكون لهم نورا يمشون به .
17560 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
17561 - . . . . قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .
17562 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن عن ابن جريج مجاهد مثله وقال : ( ابن جريج يهديهم ربهم بإيمانهم ) ، قال : يمثل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة ، يعارض صاحبه ويبشره بكل خير ، فيقول له : من أنت ؟ فيقول : أنا عملك! فيجعل له نورا من بين يديه حتى يدخله الجنة ، فذلك قوله : ( يهديهم ربهم بإيمانهم ) . والكافر يمثل له عمله في صورة سيئة وريح منتنة ، فيلازم صاحبه ويلازه حتى يقذفه في النار .
وقال آخرون : معنى ذلك : بإيمانهم ، يهديهم ربهم لدينه . يقول : بتصديقهم هداهم .
ذكر من قال ذلك :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . [ ص: 29 ] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقوله : ( تجري من تحتهم الأنهار ) ، يقول : تجري من تحت هؤلاء المؤمنين الذين وصف جل ثناؤه صفتهم ، أنهار الجنة ( في جنات النعيم ) ، يقول في بساتين النعيم ، الذي نعم الله به أهل طاعته والإيمان به .
فإن قال قائل : وكيف قيل : ( تجري من تحتهم الأنهار ) ، وإنما وصف جل ثناؤه أنهار الجنة في سائر القرآن أنها تجري تحت الجنات ؟ وكيف يمكن الأنهار أن تجري من تحتهم ، إلا أن يكونوا فوق أرضها والأنهار تجري من تحت أرضها ؟ وليس ذلك من صفة أنهار الجنة ، لأن صفتها أنها تجري على وجه الأرض في غير أخاديد ؟
قيل : إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت ، وإنما معنى ذلك : تجري من دونهم الأنهار إلى ما بين أيديهم في بساتين النعيم ، وذلك نظير قول الله : ( قد جعل ربك تحتك سريا ) [ سورة مريم : 24 ] . ومعلوم أنه لم يجعل " السري " تحتها وهي عليه قاعدة إذ كان " السري " هو الجدول وإنما عني به : جعل دونها : بين يديها ، وكما قال جل ثناؤه مخبرا عن قيل فرعون ، ( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ) ، [ سورة الزخرف : 51 ] ، بمعنى : من دوني ، بين يدي . [ ص: 30 ]
وأما قوله : ( دعواهم فيها سبحانك اللهم ) ، فإن معناه : دعاؤهم فيها : سبحانك اللهم ، كما :
17563 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن قال : أخبرت أن قوله : ( ابن جريج دعواهم فيها سبحانك اللهم ) ، قال : إذا مر بهم الطير يشتهونه
قالوا : سبحانك اللهم! وذلك دعواهم ، فيأتيهم الملك بما اشتهوا ، فيسلم عليهم فيردون عليه ، فذلك قوله : ( وتحيتهم فيها سلام ) . قال : فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم ، فذلك قوله : ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) .
17564 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : ( دعواهم فيها سبحانك اللهم ) ، يقول : ذلك قولهم فيها ( وتحيتهم فيها سلام ) .
17565 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبيد الله الأشجعي قال : سمعت سفيان يقول : ( دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام ) ، قال : إذا أرادوا الشيء قالوا : " اللهم " ، فيأتيهم ما دعوا به .
وأما قوله : ( سبحانك اللهم ) ، فإن معناه : تنزيها لك يا رب ، مما أضاف إليك أهل الشرك بك ، من الكذب عليك والفرية .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
17566 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت أبي . [ ص: 31 ] عن غير واحد ، عطية فيهم : " سبحان الله " تنزيه لله .
17567 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال : سمعت قال : موسى بن طلحة . سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " سبحان الله " قال : إبراء الله عن السوء
17568 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب وخلاد بن أسلم قالوا : حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا قابوس عن أبيه : أن ابن الكواء سأل عليا رضي الله عنه عن " سبحان الله " ، قال : كلمة رضيها الله لنفسه .
17569 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي قال : حدثنا أبو أسامة ، عن ، عن سفيان بن سعيد الثوري عثمان بن عبد الله بن موهب الطلحي عن قال : موسى بن طلحة . سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " سبحان الله " فقال : تنزيها لله عن السوء
17570 - حدثني علي بن عيسى البزار قال : حدثنا عبيد الله بن محمد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن حماد قال : حدثني حفص بن سليمان قال : حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة عن أبيه ، عن قال : طلحة بن عبيد الله . [ ص: 32 ] سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير " سبحان الله " ، فقال : هو تنزيه الله من كل سوء
17571 - حدثني محمد بن عمرو بن تمام الكلبي قال : حدثنا سليمان بن أيوب قال : حدثني أبي ، عن جدي ، عن عن أبيه موسى بن طلحة . قال : قلت : يا رسول الله ، قول " سبحان الله " ؟ قال : تنزيه الله عن السوء
( وتحيتهم ) ، يقول : وتحية بعضهم بعضا ( فيها سلام ) ، أي : سلمت وأمنت مما ابتلي به أهل النار .
والعرب تسمي الملك " التحية " ، ومنه قول عمرو بن معد يكرب :
أزور بها أبا قابوس حتى أنيخ على تحيته بجندي
[ ص: 33 ]ومنه قول زهير بن جناب الكلبي :
من كل ما نال الفتى قد نلته إلا التحيه
وقوله : ( وآخر دعواهم ) يقول : وآخر دعائهم ( أن الحمد لله رب العالمين ) ، يقول : وآخر دعائهم أن يقولوا : الحمد لله رب العالمين " ، ولذلك خففت " أن " ولم تشدد لأنه أريد بها الحكاية .