قال أبو جعفر : صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما : -
134 - حدثني به قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ،
فهذه أسماء فاتحة الكتاب . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : هي أم القرآن ، وهي فاتحة الكتاب ، وهي السبع المثاني .
وسميت "فاتحة الكتاب " ، لأنها يفتتح بكتابتها المصاحف ، ويقرأ بها في الصلوات ، فهي فواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتابة والقراءة .
وسميت "أم القرآن " لتقدمها على سائر سور القرآن غيرها ، وتأخر ما سواها خلفها في القراءة والكتابة . وذلك من معناها شبيه بمعنى فاتحة الكتاب . وإنما قيل لها - بكونها كذلك - أم القرآن ، لتسمية العرب كل جامع أمرا - أو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه ، هو لها إمام جامع - "أما" . فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ : "أم الرأس " . وتسمي لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها للجيش - "أما " . ومن ذلك قول يصف راية معقودة على قناة يجتمع تحتها هو وصحبه : [ ص: 108 ] ذي الرمة ،
وأسمر قوام إذا نام صحبتي خفيف الثياب لا تواري له أزرا على رأسه أم لنا نقتدي بها ،
جماع أمور لا نعاصي لها أمرا إذا نزلت قيل انزلوا وإذا غدت
غدت ذات برزيق ننال بها فخرا
يعني بقوله : "على رأسه أم لنا " ، أي على رأس الرمح راية يجتمعون لها في النزول والرحيل وعند لقاء العدو . وقد قيل إن مكة سميت "أم القرى " ، لتقدمها أمام جميعها ، وجمعها ما سواها . وقيل : إنما سميت بذلك ، لأن الأرض دحيت منها فصارت لجميعها أما . ومن ذلك قول حميد بن ثور الهلالي :
إذا كانت الخمسون أمك ، لم يكن لدائك إلا أن تموت طبيب
لأن الخمسين جامعة ما دونها من العدد ، فسماها أما للذي قد بلغها . [ ص: 109 ]
وأما تأويل اسمها أنها "السبع " ، فإنها سبع آيات ، لا خلاف بين الجميع من القراء والعلماء في ذلك .
وإنما اختلفوا في الآي التي صارت بها سبع آيات . فقال عظم أهل الكوفة : صارت سبع آيات ب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وروي ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين . وقال آخرون : هي سبع آيات ، وليس منهن ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ولكن السابعة " أنعمت عليهم " . وذلك قول عظم قرأة أهل المدينة ومتقنيهم .
قال أبو جعفر : وقد بينا الصواب من القول عندنا في ذلك في كتابنا : ( اللطيف في أحكام شرائع الإسلام ) بوجيز من القول ، ونستقصي بيان ذلك بحكاية أقوال المختلفين فيه من الصحابة والتابعين والمتقدمين والمتأخرين في كتابنا : ( الأكبر في أحكام شرائع الإسلام ) إن شاء الله ذلك .
وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم آياتها السبع بأنهن مثان ، فلأنها تثنى قراءتها في كل صلاة وتطوع ومكتوبة . وكذلك كان يتأول ذلك . الحسن البصري
135 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا عن ابن علية ، أبي رجاء ، قال سألت الحسن عن قوله : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) [ ص: 110 ] [ سورة الحجر : 87 ] قال : هي فاتحة الكتاب . ثم سئل عنها وأنا أسمع فقرأها : ( الحمد لله رب العالمين ) حتى أتى على آخرها ، فقال : تثنى في كل قراءة - أو قال - في كل صلاة . الشك من أبي جعفر الطبري .
والمعنى الذي قلنا في ذلك قصد أبو النجم العجلي بقوله :
الحمد لله الذي عافاني وكل خير بعده أعطاني
من القرآن ومن المثاني
وكذلك قول الراجز الآخر :
نشدتكم بمنزل الفرقان أم الكتاب السبع من مثاني
ثنين من آي من القرآن والسبع سبع الطول الدواني
وليس في وجوب اسم "السبع المثاني " لفاتحة الكتاب ، ما يدفع صحة وجوب اسم "المثاني " للقرآن كله ، ولما ثنى المئين من السور . لأن لكل وجها ومعنى مفهوما ، لا يفسد - بتسميته بعض ذلك بالمثاني - تسمية غيره بها .
فأما وجه تسمية ما ثنى المئين من سور القرآن بالمثاني ، فقد بينا صحته ، وسندل على صحة وجه تسمية جميع القرآن به عند انتهائنا إليه في سورة الزمر ، إن شاء الله .