( ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب ( 77 ) وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد ( 78 ) قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد ( 79 ) )
يخبر تعالى عن قدوم رسله من الملائكة بعد ما أعلموا إبراهيم بهلاكهم ، وفارقوه وأخبروه بإهلاك الله قوم لوط هذه الليلة . فانطلقوا من عنده ، فأتوا لوطا عليه السلام ، وهو - على ما قيل - في أرض له [ يعمرها ] ، وقيل : [ بل كان ] في منزله ، ووردوا عليه وهم في أجمل صورة تكون ، على هيئة شبان حسان الوجوه ، ابتلاء من الله [ واختبارا ] وله الحكمة والحجة البالغة ، [ فنزلوا عليه ] فساءه شأنهم وضاقت نفسه بسببهم ، وخشي إن لم يضفهم أن يضيفهم أحد من قومه ، فينالهم بسوء ، ( وقال هذا يوم عصيب ) .
قال ابن عباس [ ومجاهد وقتادة ] وغير واحد [ من الأئمة ] شديد بلاؤه وذلك أنه علم أنه سيدافع [ قومه ] عنهم ، ويشق عليه ذلك . ومحمد بن إسحاق
وذكر قتادة أنهم أتوه وهو في أرض له [ يعمل فيها ] فتضيفوه فاستحيا منهم ، فانطلق أمامهم وقال لهم في أثناء الطريق ، كالمعرض لهم بأن ينصرفوا عنه : إنه والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء . ثم مشى قليلا ثم أعاد ذلك عليهم ، حتى كرره أربع مرات ، قال قتادة : وقد كانوا أمروا ألا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك .
وقال : خرجت الملائكة من عند السدي إبراهيم نحو قرية لوط فبلغوا نهر سدوم نصف النهار ، ولقوا بنت لوط تستقي [ من الماء لأهلها وكانت له ابنتان اسم الكبرى رثيا والصغرى زغرتا ] فقالوا [ لها ] يا جارية ، هل من منزل ؟ فقالت [ لهم ] مكانكم حتى آتيكم ، وفرقت عليهم من قومها ، فأتت أباها فقالت : يا أبتاه ، أدرك فتيانا على باب المدينة ، ما رأيت [ ص: 337 ] وجوه قوم [ هي ] أحسن منهم ، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم ، و [ قد ] كان قومه نهوه أن يضيف رجلا فقالوا : خل عنا فلنضف الرجال . فجاء بهم ، فلم يعلم بهم أحد إلا أهل بيته فخرجت امرأته فأخبرت قومها [ فقالت : إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط ] ، فجاءوا يهرعون إليه .
وقوله : ( يهرعون إليه ) أي : يسرعون ويهرولون [ في مشيتهم ويجمرون ] من فرحهم بذلك [ وروي في هذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وقتادة وشمر بن عطية ] . وسفيان بن عيينة
وقوله : ( ومن قبل كانوا يعملون السيئات ) أي : لم يزل هذا من سجيتهم [ إلى وقت آخر ] حتى أخذوا وهم على ذلك الحال .
وقوله : ( قال ياقوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) يرشدهم إلى نسائهم ، فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد [ للرجال والنساء ] ، فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم في الدنيا والآخرة ، كما قال لهم في الآية الأخرى : ( أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون ) [ الشعراء : 165 ، 166 ] وقوله في الآية الأخرى : ( قالوا أولم ننهك عن العالمين ) [ الحجر : 70 ] أي : ألم ننهك عن ضيافة الرجال ( قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين . لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) [ الحجر : 71 ، 72 ] ، وقال في هذه الآية الكريمة : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) قال مجاهد : لم يكن بناته ، ولكن كن من أمته ، وكل نبي أبو أمته .
وكذا روي عن قتادة ، وغير واحد .
وقال : أمرهم أن يتزوجوا النساء ، ولم يعرض عليهم سفاحا . ابن جريج
وقال سعيد بن جبير : يعني نساءهم ، هن بناته ، وهو أب لهم ويقال في بعض القراءات النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم .
وكذا روي عن الربيع بن أنس ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم . ومحمد بن إسحاق ،
وقوله : ( فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي ) أي : اقبلوا ما آمركم به من الاقتصار على نسائكم ، ( أليس منكم رجل رشيد ) أي : [ ليس منكم رجل ] فيه خير ، يقبل ما آمره به ، ويترك ما أنهاه [ ص: 338 ] عنه ؟
( قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق ) أي : إنك تعلم أن نساءنا لا أرب لنا فيهن ولا نشتهيهن ، ( وإنك لتعلم ما نريد ) أي : ليس لنا غرض إلا في الذكور ، وأنت تعلم ذلك ، فأي حاجة في تكرار القول علينا في ذلك ؟
قال : ( السدي وإنك لتعلم ما نريد ) إنما نريد الرجال .