( قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون ( 59 ) وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون ( 60 ) )
قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، : نزلت إنكارا على المشركين فيما كانوا يحرمون ويحلون من البحائر والسوائب والوصايا ، كقوله تعالى : ( وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ) [ الأنعام : 136 ] الآيات .
وقال : حدثنا الإمام أحمد محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، أبي إسحاق ، سمعت أبا الأحوص - وهو عوف بن [ مالك بن ] نضلة - يحدث عن أبيه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قشف الهيئة ، فقال : " هل لك مال ؟ " قال : قلت : نعم . قال : " من أي المال ؟ " قال : قلت : من كل المال ، من الإبل والرقيق والخيل والغنم . فقال إذا آتاك مالا فلير عليك " . وقال : " هل تنتج إبل قومك صحاحا آذانها ، فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها ، فتقول : هذه بحر وتشقها ، أو تشق جلودها [ ص: 276 ] وتقول : هذه صرم ، وتحرمها عليك وعلى أهلك ؟ " قال : نعم . قال : " فإن ما آتاك الله لك حل ، وساعد الله أشد من ساعدك ، وموسى الله أحد من موساك " وذكر تمام الحديث . عن
ثم رواه عن سفيان بن عيينة ، عن أبي الزعراء عمرو بن عمرو ، عن عمه أبي الأحوص وعن بهز بن أسد ، عن حماد بن سلمة ، عن ، عن عبد الملك بن عمير أبي الأحوص ، به وهذا حديث جيد قوي الإسناد .
وقد أنكر [ الله ] تعالى على من حرم ما أحل الله ، أو أحل ما حرم بمجرد الآراء والأهواء ، التي لا مستند لها ولا دليل عليها . ثم توعدهم على ذلك يوم القيامة ، فقال : ( وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة ) أي : ما ظنهم أن يصنع بهم يوم مرجعهم إلينا يوم القيامة .
وقوله : ( إن الله لذو فضل على الناس ) قال ابن جرير : في تركه معاجلتهم بالعقوبة في الدنيا .
قلت : ويحتمل أن يكون المراد : لذو فضل على الناس فيما أباح لهم مما خلقه من المنافع في الدنيا ، ولم يحرم عليهم إلا ما هو ضار لهم في دنياهم أو دينهم .
( ولكن أكثرهم لا يشكرون ) بل يحرمون ما أنعم الله [ به ] عليهم ، ويضيقون على أنفسهم ، فيجعلون بعضا حلالا وبعضا حراما . وهذا قد وقع فيه المشركون فيما شرعوه لأنفسهم ، وأهل الكتاب فيما ابتدعوه في دينهم . وقال ابن أبي حاتم في تفسير هذه الآية : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا رباح ، حدثنا عبد الله بن سليمان ، حدثنا موسى بن الصباح في قول الله عز وجل : ( إن الله لذو فضل على الناس ) قال : إذا كان يوم القيامة ، يؤتى بأهل ولاية الله عز وجل ، فيقومون بين يدي الله عز وجل ثلاثة أصناف قال : فيؤتى برجل من الصنف الأول فيقول : عبدي ، لماذا عملت ؟ فيقول : يا رب : خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها ، وحورها ونعيمها ، وما أعددت لأهل طاعتك فيها ، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقا إليها . قال : فيقول الله تعالى : عبدي ، إنما عملت للجنة ، هذه الجنة فادخلها ، ومن فضلي عليك أن أعتقتك من النار ، [ ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي ] قال : فيدخل هو ومن معه الجنة .
قال : ثم يؤتى برجل من الصنف الثاني ، قال : فيقول : عبدي ، لماذا عملت ؟ فيقول : يا رب ، خلقت نارا وخلقت أغلالها وسعيرها وسمومها ويحمومها ، وما أعددت لأعدائك وأهل معصيتك فيها [ ص: 277 ] فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري خوفا منها . فيقول : عبدي ، إنما عملت ذلك خوفا من ناري ، فإني قد أعتقتك من النار ، ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي . فيدخل هو ومن معه الجنة .
ثم يؤتى برجل من الصنف الثالث ، فيقول : عبدي ، لماذا عملت ؟ فيقول : رب حبا لك ، وشوقا إليك ، وعزتك لقد أسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقا إليك وحبا لك ، فيقول تبارك وتعالى : عبدي ، إنما عملت حبا لي وشوقا إلي ، فيتجلى له الرب جل جلاله ، ويقول : ها أنا ذا ، انظر إلي ثم يقول : من فضلي عليك أن أعتقك من النار ، وأبيحك جنتي ، وأزيرك ملائكتي ، وأسلم عليك بنفسي . فيدخل هو ومن معه الجنة .